« J’ai honte pour vos dirigeants » . بهذه الكلمات المقتضبة اختار عراب المبادرة الفرنسية الرئيس ايمانويل ماكرون إطلاق واحد من أكثر المواقف حدة تجاه الساسة اللبنانيين، بعد اطاحة متعمدة لمبادرة سياسية أرادها صاحبها خريطة طريق لانقاذ بلاد تبدو وكأنها هوت تحت أنقاض سياسات أعطت الأولوية لما سماه ماكرون “الأجندات الخارجية” على حساب المصلحة الوطنية.
وفي وقت يبدو هذا الموقف، وإن تميز بنبرة عالية، تكرارا لكلام كثير من المسؤولين الدوليين الذين انتقدوا الأداء السياسي اللبناني، فإن أهم ما في كلام ماكرون يكمن في أنه تجرأ حيث تخاذل كثيرون أو تراجعوا، على ما تنبه إليه مصادر سياسية عبر “المركزية” .
ذلك أن الرئيس الفرنسي، وإن كان على يقين من أنه يلعب كامل رصيده السياسي في الأزمة اللبنانية الراهنة، لم يتهاون في تحميل المسؤولية المباشرة إلى الثنائي أمل وحزب الله عن اعتذار السفير مصطفى أديب عن مهمة تشكيل الحكومة المنتظرة.
وفي السياق، تدعو المصادر إلى قراءة متأنية لمضمون كلام ماكرون، حيث أن الرجل لم يـتأخر في تحميل الرئيس سعد الحريري جزءا من مسؤولية تعطيل المبادرة الفرنسية. لكن الأهم أنه التقط إشارة “الخيانة” من جانب حزب الله سريعا، فبادر إلى وضعه أمام مسؤولياته، مستعيدا النبرة القاسية تجاه الحزب “الذي لا يجوز أن يعتبر نفسه أقوى مما هو عليه”، على حد قوله.
وفي هذا الاطار، تلفت المصادر إلى أن ماكرون عاد بذلك مغردا في السرب الدولي المناهض للحزب بعدما تلقى الاليزيه كثيرا من سهام البيت الأبيض ووزير خارجيته مايك بومبيو احتجاجا على سياسة التساهل مع الحزب، فيما تمضي الادارة الأميركية في تضييق الخناق عليه لأسباب تتعلق يالسياسة الخارجية الأميركية أولا، وبالانتخابات الرئاسية ثانيا، وبضرورات زمن التطبيع العربي مع اسرائيل، وهي خطوة تعني عمليا تقليص دور الحزب بوصفه فصيلا مقاوما للاحتلال الاسرائيلي.
لكن أوساطا مراقبة تتساءل عن مصلحة الثنائي الشيعي في خسارة مبادرة ومخاطرة سياسية بحجم تلك التي أقدم عليها ماكرون في توقيت شديد الدقة.
فالرجل الذي يظهر عاطفة غير مسبوقة للشعب اللبناني، ملتقيا كبار رموزه الفنية، ومعانقا بعضهم، وواعدا بالعودة الى بلاد الأرز، ومتعهدا بعدم التخلي عن اللبنانيين واللبنانيات يجري حسابات سياسية دقيقة لم يتطلع الثنائي الشيعي إليها مفضلا المضي في تنفيذ مصلحة ايران على أرض لبنان وحسابه، بدلا من الاستفادة من فرصة الانفتاح الدولي النادر عليه، باعتباره يمثل شريحة أساسية من اللبنانيين وقد انتخب نوابه في إطار استحقاق شعبي دستوري.
تجربة تذكر المصادر بانقلاب الرئيس السوري بشار الأسد على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
فالأخير فتح النافذة الدولية أمام دمشق لايمانه بأنها مدماك أساسي في المنطقة، غير أن الأسد لم يقارب الأمور من هذا المنظار، فتدهورت العلاقة بين الطرفين، إلى أن انفجرت أزمة يدفع لبنان أثمانها الباهظة…