لم يكن فريق الثامن من آذار، الذي يشكّل العهد جزءاً لا يتجزأ منه، يتوقّع ان يعتذر أديب، وكان رهانه على قدرته على ابتزازه وابتزاز باريس من خلفه من أجل انتزاع مطالبه وشروطه في حكومة أديب، متكئاً على عاملين أساسيين: رغبة فرنسا بتحقيق إنجاز لبناني بأي ثمن، وهذا خطأ كبير في الإدارة السياسية استغلّه هذا الفريق بغية جَرّ الرئيس إيمانويل ماكرون إلى التنازلات التي يريدها، والعامل الثاني رهانه على تنازل الرئيس سعد الحريري عاجلاً أم آجلا، فهو يكفي ان يعطِّل لينتزع من رئيس «المستقبل» في الوقت المناسب ما يريده.
وقد جاءت المبادرة الحريرية لتفضح الثنائي الشيعي وتحشره، وعلى رغم الضرر الكبير لهذه المبادرة على الحريري شخصيّاً داخل بيئته التي لا تحتمل تنازلات من هذا النوع تحت اي عنوان، لا سيما انّ مطلب الفريق الآخر يشكّل انتهاكاً للدستور، إلّا انّ مبادرته كشفت هذا الطرف وعَرّته وأظهرت حجم عرقلته وأدّت إلى إرباكه. وبالتالي، بقدر ما كان وَقع هذه المبادرة سيئاً على الحريري شخصياً، بقدر ما كان مفيداً وطنياً، لأنه رغم التنازل الذي قدّمه رفض الثنائي الشيعي ملاقاته.
وهناك 5 أسباب منفردة او مجتمعة تقف خلف تشدّد الثنائي الشيعي في مسألة تأليف الحكومة:
السبب الأول من طبيعة إيرانية، حيث يُخفي «حزب الله» السبب الحقيقي للعرقلة بأنه إيراني من خلال التشدد بالمطالب المحلية، وبالتالي يغطّي العرقلة الإيرانية بمطالب محلية، فيما وجدت طهران في الخطوط الفرنسية والروسية وغيرهما التي فتحت معها من أجل تسهيل ولادة الحكومة اللبنانية مناسبة لتوظيف هذه الورقة تحسيناً لتموضعها الإقليمي في المواجهة مع واشنطن، ولن تسهِّل تشكيل الحكومة مجاناً، بل تريد ان تقبض سلفاً وكاش.
السبب الثاني من طبيعة سياسية انتظارية، حيث يعتبر الحزب انّ لبنان يستطيع الصمود اقتصادياً حتى نهاية هذا العام، وهو غير مضطر لتشكيل حكومة لا تأثير له فيها وغير مُمسك بمفاصلها في مرحلة قد تشهد تغيّرات وتبدلات وهندسات جديدة بعد الانتخابات الأميركية. ولذلك، إمّا تُشكّل الحكومة وفق شروطه وقدرته على الإمساك بناصية قرارها، وإمّا من مصلحته الإبقاء على الحكومة المستقيلة وتفعيل تصريف الأعمال طالما انّ المدة الفاصلة عن هذه الانتخابات باتت قصيرة جداً.
السبب الثالث من طبيعة دستورية تأسيسية، حيث انّ الحزب لا يُخفي رغبته بتعديل الدستور وقَوننة ودَسترة الاجتهادات التي يحاول تكريسها، من المقاومة غير المنصوص عنها في الدستور، إلى التوقيع الثالث الذي لا أساس له في اتفاق الطائف، ويعتبر انه نجح في ربط نزاع جدي في موضوع وزارة المالية، وأي تراجع من قبله يعيده إلى النقطة الصفر وينزع منه ورقة يعتبرها في جيبه، خصوصاً انه يعمل وفق أسلوب القَضم المتواصل بانتظار المؤتمر التأسيسي الذي ينادي به تعزيزاً لدوره السلطوي.
السبب الرابع من طبيعة عرفية، حيث لن يسجِّل الحزب على نفسه تحت اي عنوان سابقة تسمية وزراء شيعة من خارج إرادة الثنائي الشيعي، لأنّ الاستثناء قد يتحول إلى قاعدة وفي كل مرة بحجّة مختلفة.
السبب الخامس من طبيعة سياسية تكتية، حيث يعتبر انّ تصلُّبه كفيل بدفع الفريق الآخر إلى التساهل لانتزاعه المكاسب التي يريدها.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.