لبنان وسوريا
لن تكون الطريق قصيرة، سيطول السير البطيء حتماً عليها. والمفاوضات التفصيلية ستمر في تعرجات كثيرة، ترافقها ضغوط كبيرة، سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، لتقديم تنازلات أكبر.
وبوضوح، يبقى لبنان وسوريا، في هذه البقعة من الشرق الأوسط، خارج إطار التفاوض العلني والمباشر مع إسرائيل. لكن مسار الضغوط ستقود هذين البلدين إلى تلك النقطة.
معروف أن نظام بشار الأسد لا يمانع في ذلك. وهو المراهن الدائم على إسرائيل لإنقاذه من أزماته الداخلية والخارجية كما حدث مراراً، وخصوصاً بعد المجزرة الكيماوية وتراجع أوباما الشهير.
وفي أكثر من محطة كانت تسير المفاوضات وتتوقف وفق ما تقتضيه الحاجة. والزيارة الأخيرة لسيرغي لافروف إلى سوريا، كان واضحاً فيها الطلب الروسي بضرورة إطلاق النظام مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. ولافروف يزور لبنان أواخر الشهر الحالي.
وقد يكون له موقف في هذا الصدد، يبلغه للمسؤولين اللبنانيين.
ولطالما مثّلت إسرائيل خلاصاً للأسد من أزماته. والخشية أن تكون إسرائيل أيضاً هي خلاص القوى السياسية اللبنانية من أزماتها.
القبول بما كان مرفوضاً
لا يمكن فصل التنازل الذي قدمه لبنان للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، عن هذا المسار الذي تعيشه المنطقة، ولا عن الضغوط الأميركية التي مورست وأوصلت البلد إلى الانهيار.
وبمعزل عن كلام المجابهة ورفض تقديم تنازلات علنية، فما جرى هو تنازل يقود إلى تنازلات أخرى، بعيداً من حماسة الخطب. فما كان مرفوضاً لعشر سنوات، تم قبوله الآن!
وبغض النظر عن التفاصيل، التي تحتاج إلى وقف طويل لتتضح، سيتشدد حزب الله في بعض النقاط، وستتشدد واشنطن وتل أبيب في المقابل، وتمارسان المزيد من الضغوط والشروط مع كل جلسة تفاوضية: كتفكيك الصواريخ، وتراجع القوات العسكرية للحزب عن الحدود، مقابل تعزيز عمل قوات اليونيفيل، إلى شروط أخرى كثيرة.
وفي الخلاصة، وافق لبنان على إطلاق مفاوضات “مباشرة” حول ملف ترسيم الحدود، وملف الغاز والنفط. وقدّم لبنان تنازلاً كبيراً، لأن ما أُعلن عنه كان مطروحاً منذ زمن بعيد، ولم يكن مقبولاً، ليصبح اليوم مرحباً به، وبرعاية الولايات المتحدة الأميركية.
لا يمكن للرئيس نبيه برّي أن يعلن هذا الموقف من دون موافقة حزب الله. واللافت أن برّي في كل كلمته كان يكرر كلمة “إسرائيل”، وليس العدو الصهيوني أو الأراضي المحتلة.
وهو استخدم مصطلح “الحدود البحرية الإسرائيلية”. واتفاق الإطار أُعلن من قبل جهات ثلاث في الوقت نفسه: بيروت، القدس، وواشنطن.
أمس، تعهد الأمين العام لحزب الله بالرد على العدو الإسرائيلي. ولكن كيف سيكون هذا الردّ في حال أطلقت المفاوضات، وفي ظل جلسات التفاوض بين وفدين لبناني وإسرائيلي؟ أسئلة كثيرة من هذا القبيل ستطرح، إلى جانب تساؤلات حول احتمال زيادة الضغوط الأميركية والإسرائيلية عند كل جلسة تفاوضية.
لذا فشلت فرنسا
السؤال أين فرنسا من هذه الخطوات؟
ما جرى يفسر أسباب فشل المبادرة الفرنسية وعدم التنازل لها، ويؤكد أن الجميع ينتظر الانتخابات الأميركية. وبعدها يوضع الإطار العام للمسار السياسي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
ولبنان مرتبط بهذا المسار مباشرة.
المفاوضات الجدية ستكون مع الأميركيين إذاً، بينما يُستعان بفرنسا في عمليات التنقيب عن النفط في البلوك رقم 9.
ولا بد من السؤال عن الموقف الإيراني في هذا المجال.
في معرض ترحيبه باتفاق الإطار، وصف بومبيو بأن المفاوضات ستحصل “بين البلدين الجارين”.
لم يشر إلى أن طهران هي التي أشارت لحزب الله بالقبول بهذه المفاوضات. وهنا لا بد من الاستنتاج أن طهران لم تطلب من الحزب إياه السير في المبادرة الفرنسية.
وهذا يؤكد أن ما تريد طهران بلوغه هو التخاطب مع أميركا. أما تخاطبها مع فرنسا فمن باب المجاملات. وكانت العقوبات الأميركية نسفت المبادرة الفرنسية، فيما المبادرة الأميركية تتقدم. وهذه مفارقة كبرى لا بد من التوقف عندها وتتبعتها.
قبل يومين أعلن السفير الأميركي لدى إسرائيل أن العلاقات اللبنانية الإسرائيلية “تتحسن”. وهذه إشارة واضحة إلى الضغوط لدفع لبنان إلى التطبيع. وأشار السفير إلى أن حزب الله هو العائق أمام ذلك.
والمسار الذي يفتتح بالمفاوضات المباشرة، هدفه الوصول إلى التطبيع.
والضغوط ستستمر. حزب الله أمام خيارين: البقاء على موقفه وتصعيده، ما يؤدي إلى مزيد من المعارك والضربات العسكرية والاقتصادية.
أو استمراره في السير في ركاب السياسة الإيرانية التي تراهن على عقد اتفاق مع الولايات المتحدة.
لبنان وسوريا خارج خطوط النفط والغاز والتحالفات التي نشأت حتى الآن.
وتلك الخطوط واضحة: خط خليجي – إسرائيلي، يحظى بدعم أميركي. وخط عراقي – مصري – أردني، على علاقة بإسرائيل ويحظى بدعم أميركي أيضاً.
وخط ثالث تركي – قطري، يحظى بدعم أميركي أيضاً وأيضاً.
لبنان وسوريا خارج هذه الخطوط. والدخول في مفاوضات سيقودهما إلى أحد هذه الخطوط.