الترسيم… البديل عن التطبيع!؟

4 أكتوبر 2020
الترسيم… البديل عن التطبيع!؟

أثار كثيرون انطباعات خاطئة عن المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس مجلس النواب نبيه بري، لاسيما في ما يتصل بالمصطلحات التي استخدمها الأخير في كلامه عن الطرف الإسرائيلي، لكن بدا لاحقا أن منشأ الالتباس أن “الأستاذ” قرأ حرفياً النص الذي أعده الأميركيون واستخدموا فيه أدبياتهم في التعبير عن الترسيم مع الإسرائيليين.
 على الرغم من ذلك، لا يزال الموضوع عرضة لطرح الكثير من الاسئلة على خلفية مناخات التطبيع التي أثارتها الاتفاقيتان اللتان عقدتهما البحرين والامارات مع اسرائيل؛ وبالاستناد إلى ما يثيره المسؤولون والكتاب الإسرائيليون في إعلامهم، فهؤلاء يطلون على موضوع الترسيم وكأنه إنجاز نتيجة موافقة لبنان على إجراء مفاوضات مباشرة معهم، لكن الأمور في في حقيقتها في غير هذه الوجهة؛ وتأكيد بري أن مرجعية التفاوض هي تفاهم نيسان 1996 والقرار الدولي 1701 وانعقاد اللقاء في مقر الأمم المتحدة وتحت راية علمها والتشديد على الطابع العسكري للتفاوض عبر تمثيل الجيش اللبناني للدولة، إنما يأخذ بعين الاعتبار الهواجس كافة التي تقطع الطريق على إعطاء التفاوض أي بعد سياسي، كما أن الرئيس بري عندما أكد أن التفاوض سيستند إلى تلازم الترسيمين البري والبحري والى الدور الأميركي كمسهل في هذه المفاوضات إنما أراد أن يقول أيضا أن الموقف اللبناني هو الذي جرى الاستناد إليه في اتفاق الإطار، خصوصاً أنّ الموقفين الأميركي والإسرائيلي كانا يميلان إلى الفصل بين الترسيمين البري والبحري.
ثمة وجهة نظر يعبر عنها بعض المراقبين المطلعين على الأجواء الأميركية لـ”لبنان 24″، وترى أن البديل الإسرائيلي لمكتسبات التطبيع على المستوى العربي تجاه ما يجري في لبنان، هو إنهاء النزاعات الحدودية البرية والبحرية لأن من شأن ذلك أن يتيح للإسرائيلي إدراجه في سياق خفض التوتر والتقدم خطوة تجاه أمر واقع أقل تعقيداً لجهة ما يحيط بالكيان الإسرائيلي، مع إشارة المراقبين في هذا الإطار، إلى غياب أي موقف رسمي لبناني أو سوري يدين تطبيع الإمارات مع إسرائيل، فدمشق تشرع أبوابها أمام الإمارات منذ نحو سنة، وربما تلعب أبو ظبي دور الوسيط لمفاوضات سلام غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل في مرحلة مقبلة بعدما كانت تركيا الخصم الأبرز لسوريا في الوقت الراهن، تلعب هذا الدور قبل الأزمة السورية.
تطرح اسئلة كثيرة في محاولة لتفسير الليونة الأميركية تجاه ملف الترسيم بعد مرحلة من التشدد بلغت ذروتها عندما تخلت واشنطن عن طرح سابق تقدم به فريدريك هوف حينذاك حيال ما سمي بـ”خط هوف”. فهل لهذا المستجد صلة بملفات أخرى؟
يعود البعض إلى قرار المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي اتسم بليونة غير معهودة لينبئ بمسار تفاوضي متشدد من قبل الإدارة الأميركية في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، لكن وجهة نظر أخرى تنظر الى ملف الترسيم من الحاجة المتبادلة لبنانيًا وإسرائيليًا إلى إطلاق عجلة الاستفادة من آبار الغاز في البحر. ففي الوقت الذي يحتاج فيه لبنان إلى هذه الآبار لسداد ديونه ومعالجة أزماته المالية المعقدة، تحتاج إسرائيل في المقابل إلى إزالة فتيل النزاعات والتوتر لتسهيل بناء البنية التحتية التي يحتاجها التحالف النفطي المتوسطي الذي أعلن عنه من قبل مصر واليونان وقبرص وإيطاليا وإسرائيل.
مهما يكن الأمر، فإنه من الخطأ الاعتقاد، بحسب مصادر مطلعة لـ “لبنان 24” أن التفاوض سيكون سهلاً ووشيكاً من حيث النتائج بل سيكون عملية معقدة ويبقى مفتاح الوصول إلى النتائج بيد الإدارة الأميركية دون سواها، والتي يعود لها الربط بين الملفات السياسية وملفي الترسيم.
إزاء ما يجري يتساءل كثيرون عن موقف حزب الله الذي بدا ملتزما الصمت خلال الأيام الماضية ومكتفياً بمواقفه السابقة التي كان سبق له أن أكد فيها تفويضه الرئيس بري متابعة هذا الملف والإعلان عن أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة قانوناً عن تحديد الحدود البرية وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الأمر الذي يعفيه من التدخل في تفاصيل هذا الملف.