التريث يسيطر على الملف الحكومي… ترقب لموقف فرنسا والاستشارات النيابية تنتظر صحة باسيل

6 أكتوبر 2020
التريث يسيطر على الملف الحكومي… ترقب لموقف فرنسا والاستشارات النيابية تنتظر صحة باسيل

“تيتي تيتي.. متل ما رحتي مثل ما جيتي” هكذا يمكن اختصار رحلة الساعات القليلة الى الكويت، وما رافقها من مشاورات على الطائرة، طغى عليها التباعد الاجتماعي ما بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب والوزراء، نبيه بري وحسان دياب. وبالتالي فان العجز هو سيّد الموقف، فلا تكليف مرضي عنه، ولا مساعي أو اتصالات، فالانقطاع بين 8 آذار والفريق السني، يكاد يكون منعدماً، وكذلك الحال بالنسبة لبعبدا، حيث لا اتصالات ولا لقاءات، الأمر الذي يطيح بسرعة تأليف الحكومة لملاقاة قوة الدفع الفرنسية لمساعدة لبنان.  وتبعا لذلك بدا واضحا ان خلوة الرئيسين عون ونبيه بري خلال رفقة الرحلة الجوية الى الكويت ذهابا وإيابا امس لم تشكل أي تطور يعتد به ولو انه يعتقد انها أرست التمهيد اللازم لاطلاق الاتصالات المتعلقة باستمزاج القوى السياسية حيال الشخصية المناسبة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة بعد مجمل الصدمات الداخلية والخارجية التي حصلت أخيرا.   

الاستشارات مؤجلة
في الموازاة، نقلت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا لـ”اللواء” ان الرئيس عون يرغب في تحديد موعد للاستشارات الملزمة بداية الأسبوع المقبل أو أواخر الأسبوع الحالي. وقالت المصادر ان الأمر يتوقف على استمزاج ما تريده الكتل النيابية، والاتفاق سلفاً على الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة..
وتحدثت هذه المصادر عن جولة من الاتصالات والمساعي شبيهة بتلك التي سبقت تكليف الرئيس مصطفى أديب، والذي اعتذر لاحقاً، يتولاها الرئيسان عون وبري، كل في مجاله لاستكشاف المواقف والتوجهات انطلاقاً من نقاط:

1- هوية الرئيس الذي سيكلف بالتأليف..

2- شكل الحكومة وعددها انطلاقاً من «داتا» استشارات الرئيس عون السابقة..

3- مع الأخذ بعين الاعتبار المرونة على هذا الصعيد بانتظار معرفة توجهات الرئيس الذي سيكلف.

4- اعتبار الشق الاقتصادي من المبادرة الفرنسية حجر الأساس، في برنامج الحكومة العتيدة، في ما خص الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتنظيم مؤتمر الدعم، للحصول على المساعدات..

في المقابل، لعل الامر الذي بات مكشوفا ولا يحتاج الى ادلة لإثباته هو ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لم يصدر بعد اي إشارة لا من قريب ولا من بعيد الى موعد قيامه بتحريك الاستحقاق الحكومي العالق والجامد من خلال انعدام أي تحرك إيذانا بتحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة، يستبطن هذه المرة اتجاها فعليا اكثر من أي تجربة سابقة لانجاز توافقات سياسية تستبق الاستشارات بما يقدم عمليا التوافق على معالم الحكومة واسم رئيسها قبل اجراء استشارات التكليف. واذا كانت حسابات عون في هذا السياق تتصل بتداعيات الأضرار الكبيرة التي لحقت بدوره جراء تعمد حليفه “حزب الله ” التسبب بتعليق المبادرة الفرنسية حاليا على الأقل في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية، فان المعطيات الماثلة بقوة حيال أسباب الجمود اللافت الذي يشوب المشهد الرسمي والسياسي، تشير الى استبعاد تسمية رئيس الحكومة المكلف قريبا وسط  انقطاع جسور التواصل بين رئاسة الجمهورية ومعظم القوى السياسية وعدم فهم حقيقة الدوافع التي تجعل رئيس الجمهورية يمضي في تأخير الاجراء الدستوري المتمثل بالاستشارات النيابية الملزمة. 
وبحسب مصدر متابع لـ”نداء الوطن” فان “خلاصة التشاور الرئاسي الطائر كانت المزيد من التمهل واعطاء مساحة زمنية اضافية لتقييم تجربة تكليف السفير مصطفى اديب واعتذاره، وان عون لن يباشر مروحة اتصالاته ومشاوراته قبل نهاية الاسبوع الحالي ومطلع الاسبوع الطالع”.

وقال المصدر ان “مقاربة رئيس الجمهورية للملف الحكومي بدت بطيئة جداً، ولم يلمس اعضاء الوفد المرافق حماسة كبيرة للقيام بتحرك حقيقي يفضي الى تحديد موعد الاستشارات، اذ يبدو ان اصابة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بفيروس كورونا واضطراره لدخول المستشفى التي غادرها امس الى الحجر المنزل، كان لها الاثر الكبير على حركة الرئيس حكومياً”.

واوضح المصدر “ان ربط المباشرة بالاتصالات والمشاورات بمطلع الاسبوع المقبل، يعود في جزء كبير منه الى انتهاء فترة الحجر المنزلي لرئيس التيار، كون رئيس الجمهورية حريص جداً على ان يقف على رأي باسيل في كل الملفات المطروحة وتحديداً الملف الحكومي، ومرض باسيل منعه من التواصل مع الثنائي الشيعي في محاولة لتحديد الخيارات التي تعتبر قاعدة انطلاق للمشاورات مع القوى الاخرى، مما يسهل على رئيس الجمهورية البدء بعملية التشاور وفق منطلق عملي”. واشار المصدر الى ان “ما يؤخر انطلاق الاتصالات والمشاورات الجدية، هو عدم وجود افكار مطروحة للتداول باستثناء طرح الرئيس نجيب ميقاتي حكومة من عشرين وزيراً موزعة بين 6 وزراء سياسيين و14 وزير اختصاص ومواصفات هذه الحكومة لا تنطبق الا على ميقاتي نفسه، وبالتالي لا بد من الاعلان عن افكار وطروحات حتى يبدأ البحث الجدي في انضاج عملية التكليف”.

 تعويل على الموقف الفرنسي
ولكن يبقى الموقف الفرنسي هو الاهم، بعد الصمت الرسمي إثر فشل الرئيس المكلف مصطفى اديب في تشكيل الحكومة وفق المبادرة الفرنسية، لا سيما وان السفير برونو فوشيه غادر لبنان يوم الجمعة الماضي ويتوقع وصول السفيرة الفرنسية الجديدة آن غريو الى بيروت خلال ايام قليلة، وسط ترقب لما هي اولى خطواتها في بيروت. وهي سبق ان شغلت المنصب الدبلوماسي في سفارة فرنسا في المكسيك. وهي بدأت منذ أسابيع في فرنسا، بدراسة الملفّ اللبناني بكلّ تفاصيله.

 ولا تخفي أوساط بعبدا ان الجو الحكومي يميل إلى ايجابيات، من دون ان تكشف عن طبيعتها، لكنها اشارت إلى ان الأجواء الدولية، لا سيما الموقف الأميركي هو غيره قبل انطلاق التفاوض حول ترسيم الحدود بعد أقل من عشرة أيام.
وكشفت أوساط “الثنائي الشيعي” ان البحث عن اسم الرئيس الجديد، الذي سيتولى تأليف الحكومة العتيدة انطلق..
وفي حين استقر الرأي الرئاسي على اعتبار “الدردشة الجوية” بمثابة نقطة انطلاق نحو كسر الجمود والجليد بين الأفرقاء السياسيين، بالتوازي مع الشروع في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة ولو “على العمياني” قبل تلمّس أي بصيص توافق داخلي، تكليفاً وتأليفاً. وترقبت مصادر مواكبة حصول “تحرك فرنسي خلال الأيام القليلة المقبلة”، كاشفةً في هذا المجال لـ”نداء الوطن” عن تواصل جرى ولم يتم الإعلان عنه بين عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما قد يفضي إلى إعادة تزخيم خطوط التشاور على أكثر من مستوى بين باريس وبيروت في الساعات المقبلة، تمهيداً لتفعيل قنوات المبادرة الفرنسية ووضع آليات جديدة لتطبيقاتها حكومياً.

وإذ لفتت إلى أنّ المراوحة الحاصلة مردّها إلى “انتظار الأفرقاء اللبنانيين تحركاً فرنسياً متجدداً لا سيما بعد التغييرات التي يعمد ماكرون إلى إجرائها ضمن فريق عمله المكلّف بالملف اللبناني”، أشارت المصادر إلى أن “رحلة الكويت مهّدت لعودة الحرارة إلى خطوط التواصل اللبنانية – اللبنانية لكن من دون أن تنجح في تحقيق أي شيء ملموس بعد، وجلّ ما تم الاتفاق عليه هو ضرورة تحديد موعد للاستشارات النيابية في قصر بعبدا نهاية الأسبوع الجاري أو الأسبوع المقبل كحد أقصى، بمعزل عما يمكن أن تسفر عنه الاتصالات والمشاورات السياسية من نتائج توافقية مسبقة، باعتبار أنّ تحديد موعد للاستشارات أقلّه سيضع الجميع أمام سقف زمني محدد لمحاولة التوصل إلى مخارج مقبولة لعملية التكليف والتأليف”.

في الموازاة، لا يخفي المصدر لـ”نداء الوطن” “رهاناً رئاسياً على الحراك الخارجي، وان الاستمهال يدخل في هذا السياق، خصوصا وان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيصل آخر الشهر الحالي الى بيروت موفداً من الرئيس فلاديمير بوتين الذي وعد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالمساعدة لاعادة الحياة الى مبادرته في شقها الحكومي، اي ان ما سيطرحه لافروف سيصب في خانة تفعيل المبادرة الفرنسية خصوصا وان خمسة ايام تفصل زيارته عن موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية”.

الملف الحكومي في مشاورات الطائرة
وأكدت أوساط معنية لـ”النهار” ان الملف الحكومي حضر لماماً في رحلة التعازي الى الكويت، وعلم ان التباعد الاجتماعي في جلوس رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة المستقيلة كان ترجمة رمزية للجمود الذي يتحكم بملف التكليف والتأليف. فرئيس الجمهورية ورئيس المجلس كانا متفقين على ضرورة الاسراع في اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة المقبلة. لكن علم من المصادر ان جمود الاتصالات الحكومية وعدم حسم الكتل مواقفها من مسار التكليف والتأليف قد يؤخر موعد الاستشارات الى الاسبوع المقبل بعدما كان متوقعاً حسم موعدها في هذه الرحلة واجرائها نهاية الاسبوع الجاري.
 ووفق المصادر المطلعة على الرحلة الرئاسية الى الكويت، فان البحث خاض اكثر في ملف الترسيم الحدودي. ومن المتوقع ان يشكل رئيس الجمهورية الوفد المفاوض من العميد بسام ياسين، والعقيد مازن بصبوص، وضابط الارتباط في اللجنة الثلاثية العميد حسيب عبدو ، اضافة الى عضو من هيئة ادارة قطاع النفط.
وفي هذا السياق، اكد الرئيس برّي أن المفاوضات التي ستنطلق في الرابع عشر من الجاري في الناقورة من اجل ترسيم الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، يجب ان تواكبها حكومة كاملة المواصفات لتشكّل في قرارها دعماً يحتاجه الوفد اللبناني في المفاوضات الصعبة والمعقدة المتوقعة مع الإسرائيليين. ولفت بري ان البحث لا يزال جارياً عن رئيس حكومة وصفه بالعاقل الذي يستطيع مع الوزراء مواجهة التحديات.

ويلفت معنيون الى امكان ان يكون هناك دافع ضمني للتريث في اطلاق جولة الاتصالات واللقاءات والمشاورات الاستباقية للاستشارات الملزمة يتصل بإعادة ترميم التفاهم بين القوى اللبنانية و”الراعي  الفرنسي” بعدما استشعر جميع المسؤولين والقوى فداحة التداعيات التي تتهدد البلاد جراء التشهير السلبي الحاد الذي أصاب صورة السلطة عقب الهجوم الذي شنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على مجمل الطبقة السياسية واضعا المجتمع الدولي امام خلاصة من شأنها تعريض السلطة المقبلة لعزلة كبيرة ما لم يقترن تأليف الحكومة الجديدة بـ”ختم ” الموافقة الفرنسية عليها. 

تعويم حكومة تصريف الأعمال
في المقابل، أكدت مصادر ان الكلام عن اتجاه رسمي لتعويم حكومة تصريف الاعمال ليس دقيقاً ولا يمكن لأي مسؤول القبول بهذا الشلل في ادارة شؤون الدولة والمواطنين، الا ان الاكثرية ليست بوارد الذهاب الى تكرار تجربة حكومة الرئيس حسان دياب اي حكومة الفريق الواحد، ولذلك تنتظر الكتل رؤساء الحكومات السابقين ليرشحوا شخصية فيتبناها الآخرون. ومعروف حتى الآن انه بعد فشل تجربة ترشيح الرئيس المكلف مصطفى اديب ، لن يكرر الرؤساء الاربعة السابقون التجربة نفسها، وهم يمتنعون عن اي ترشيح. حتى ان مبادرة الرئيس نجيب ميقاتي بحكومة عشرينية تكنو- سياسية ما زالت مبادرة فردية لم يتبناها زملاؤه رؤساء الحكومات.