تختلف مقاربة ملف ترسيم الحدود الجنوبية، لا بل تتناقض الى اقصى حد في اهدافها بين واشنطن والثنائي الشيعي وحزب الله في شكل خاص. ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب تتطلع من القضية الى ترييح حليفتها الاستراتيجية في الشرق الاوسط، اسرائيل وشد الخناق على حزب الله من خلال سحب ورقة المقاومة من يده وتاليا انتفاء دوره المسلح في لبنان خصوصا ان النظام السوري لم يعد بعيدا من مسار التطبيع بحسب ما يُسرب من معلومات، توازيا مع مسلسل العقوبات المتوالي فصولا، في حين ينظر الثنائي بطريقة مختلفة ويتطلع الى ابعد من ذلك ويصوّر للغاية الملف على غير هذه الصورة.
تقول اوساط سياسية مطلعة ان اعلان الرئيس نبيه بري “الاتفاق- الاطار” لترسيم الحدود مع اسرائيل مدروس في الشكل والمضمون، وحتى في التوقيت ، ولعله الاهم، ذلك ان احدا لم يطلب منه ان يعلنه الان بل اتى بمبادرة منه ، لماذا؟ لان الثنائي يريد اولا الايحاء بأن اطلاق المفاوضات يعني فتح صفحة جديدة مع الادارة الاميركية مقدمة لفتح صفحات كثيرة بعدها، وتاليا الاتجاه نحو صفقة اميركية- ايرانية تعني عمليا عدم المس بسلاح حزب الله وبقاء لبنان في المحور الايراني، وهو ما ليس مطابقا للواقع، انما يهدف الى التسريب والترويج لضخ جرعات دعم لبيئته المتلاشية التي تئن تحت وطأة الازمات وترفع الصوت ازاء ما ادت اليه سياسة حزب الله .
وتضيف : كما ان اعلان الاتفاق قبل الانتخابات الاميركية يتخذ طابعا بالغ الاهمية ، ويظهر مدى الحاجة الى تسليف واشنطن ورقة تعني لها الكثير لجهة طمأنة حليفتها، ولولا ذلك لتركه بري الى ما بعد الانتخابات، خصوصا ان المفاوضات لم تولد بالامس بل امتدت على مدى نحو عقد من الزمن، فهل من الصدفة ان يقرر اعلانها اليوم؟ حكما لا، توضح الاوساط، ثمة مصلحة للرئيس بري حكما، وهو الذي يقطف الثمار في حينها، خصوصا بعدما مستّه العقوبات الاميركية مباشرة عبر معاونه السياسي علي حسن خليل.
صحيح ان بري سارع الى نفي اي ربط بين العقوبات واتفاق الترسيم غير ان مجرد القراءة السياسية في مستجدات القضية يدحض نظرية الفصل. قدم الثنائي اول هدية للأميركي واعدا بالمزيد لأدارة ترامب الذي ان عاد، سيستكمل حتما المسار العقابي، ويتوجب تاليا توفير ما يمكن من “مغريات” قبل عودته، ذلك انها تصبح دون ذات جدوى بعد الفوز، ان حصل.
يريد الحزب اذا عبر الثنائي وقف هذا المسار ويبذل ما يمكن من جهود ويقدم الهدايا، علّه يتمكن من فتح باب التفاهم قبل ان يدخل لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة انطلقت باتفاقات التطبيع العربية مع اسرائيل والتي يكاد يكون الحزب اكثر العارفين انها تستهدف ايران في شكل خاص، وان الولايات المتحدة الاميركية التي لزّمت لبنان لسوريا في التسعينات في محاولة لحثها على دخول مفاوضات السلام، لن تكرر الخطأ نفسه في ال2020 وتبقي سلاح حزب الله الذي امّن له النظام السوري طوال فترة وصايته على لبنان البيئة الخصبة ليتنامى وينفجر في وجه واشنطن وحلفائها في المنطقة.
زمن المقايضات انقضى، تقول الاوساط، وما كان يصح قبل التطبيع لن يكون كذلك بعده.
الثنائي الشيعي يعيد درس خياراته ويدرك اكثر من غيره ان الامور اصبحت في مكان آخر، وزمامها لم يعد في يد ايران ، والبقاء يستوجب خطة بديلة ترتكز على الارجح الى الانخراط القوي داخل الدولة.
وهذا ما يدفع نحوه من خلال سعيه لتغيير النظام وفرض المثالثة او على الاقل تحصيل الحد الاقصى من المكاسب والمواقع السياسية، حتى حينما تدق الساعة يكون جاهزا وقويا ومحصنا داخليا في مواجهة رياح التغيير.