مع إبداء الرئيس سعد الحريري مساء امس، استعداده للعودة الى رئاسة الحكومة، بعد ان رفض هذا المنصب لشهور، انتقلت لعبة التكليف والتأليف الى مرحلة جديدة. الطابة التي رماها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ملعب بيت الوسط خصوصا والقوى السياسية عموما، بتحديده موعدا للاستشارات النيابية الخميس المقبل من دون اتفاق مسبق على الشخصية التي يمكن ان توكل اليها مهمة التشكيل، تلقّفها زعيم تيار المستقبل بخطوة سياسية ذكية ستضع الجميع امام امتحان اظهار حسن نواياهم تجاه المبادرة الفرنسية.
التكتيك المختلف الذي اعتمده هذه المرة، بعد قرابة عام على استقالته تحت وطأة انتفاضة 17 تشرين، عزاه الحريري الى الوضع المعيشي المهترئ والى ضرورة تقديم الجميع التنازلات لصالح لبنان ولصالح انقاذ المبادرة الفرنسية التي تمثل خشبة الانقاذ الاخيرة للبلاد، فاذا طيّرناها ولم نعرف كيف نتمسك بها، غرق المركب اللبناني نهائيا وابتلعته امواج الازمات المعيشية والاقتصادية والمالية، وبقيت بيروت تحت الانقاض، كومة رماد ودمار وركام. بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة، الحريري بدّل في مقاربته للازمة السياسية – الحكومية، في الشكل، مع اعلانه بصراحة انه راغب ومستعد لرئاسة الحكومة، غير انه لم يبدّل كثيرا في “جوهر” موقفه.
فقد تمسّك بحكومة اختصاصيين، وهو ما يريده منذ خروجه من السراي، واشترط اعلان القوى السياسية كلّها أنها لا تزال داعمة لمضمون المبادرة الفرنسية لناحية الاصلاحات والتعاون مع صندوق النقد الدولي… كشرطين اساسيين ليقبل مهمّة التأليف.. وهنا “بيت القصيد”!
ففيما سيباشر الزعيم السني اتصالاته مع الافرقاء في الساعات القليلة المقبلة لجس نبضهم حيال هذين البندين، تسأل المصادر “هل سيوافق الثنائي الشيعي، الذي لطالما كان الحريري مرشّحه الاول للرئاسة الثالثة، على التنازل، فيكتفي باتفاق معه على شخصية شيعية “لايت” لوزارة المال؟ ام سيصر على تسمية كل الوزراء الشيعة فيكونون تكنوقراط، لكن غير مستقلّين، في ترجمة لما اعلنه نائب الامين العام لحزب الله نعيم قاسم عن رفضه الانقلاب على نتائج الانتخابات؟ وايضا، هل سيسهّل حزب الله المفاوضات مع صندوق النقد، ام سيعقّدها ويعرقلها بعد ان قال امين عام الحزب السيد حسن نصرالله منذ ايام ما معناه “اننا يجب ان نكون في الحكومة لمراقبة مسار هذه المفاوضات، والتصدي لاي املاءات اقتصادية او حتى “سياسية” قد يراد فرضها علينا تخرق سيادتنا وتلتف على المقاومة”؟
هذا على خط الثنائي الشيعي. اما على الضفة المسيحية، فهل سيرضى التيار الوطني الحر بعودة الحريري الى السراي، بعد ان كان اعتبر لأشهر ان الحريري شخصية سياسية فكيف يمكن ان تكون على رأس حكومة اختصاصيين، خاصة ان سيّد بيت الوسط حسمها امس بأنه لن يقبل بمعادلة “الحريري والنائب جبران باسيل معا داخل الحكومة او معا خارجها”؟ وماذا عن رئيس الجمهورية الذي افيد انه لن يعترض على اسم اي شخصية يتم تكليفها: هل سيتمسك بتسمية الوزراء المسيحيين، وهل سيعود عن مبدأ المداورة في الحقائب لأن الرئيس الحريري استثنى “المالية” منها؟ ماذا ايضا عن موقف القوى الاخرى كلّها، من الطاشناق الى المردة، هل ستصرّ على تسمية وزرائها؟ وماذا لو بقي “القوات” او التيار الوطني او التقدمي الاشتراكي، على رفضهم تسمية الحريري، هل سيرفض الاخير العودة لاسباب ميثاقية؟
هي اسئلة كثيرة ستتظهر الاجوبة عليها خلال ايام قليلة، لكن الاساس يبقى موقف “الثنائي” والتيار الوطني. فاذا تصلّبا ورفعا السقوف والشروط، سيتأكد للجميع انهما، وبخاصة حزب الله وامل، كانا يناوران بالتمسك بالحريري، وبأنهما يريدانه في السراي بشروطهما فقط، وسيتأكد اكثر فأكثر للداخل والخارج، ان لبنان اسير اللعبة الاقليمية، ولن تفرج عنه ايران قبل موعد الاستحقاق الرئاسي الاميركي، تختم المصادر.