قبل أن يقرر الجيش وضع حد للحالة الشاذة في منطقة بعلبك، ولو بعد حين، لم نكن نريد ان نصدّق أن ما كان يحصل في هذه المنطقة من فلتان أمني ومن تفلت للسلاح، ليس الفردي فحسب بل المتوسط وأحيانٍا الثقيل كان يحصل تحت أعين القوى الأمنية والشرعية اللبنانية، وتحت بصر قوى الأمر الواقع هناك، أي “حزب الله” وحركة “أمل”. والغريب في الأمر أن لا أحد تدخّل لوضع حدٍ للوضع المتفلت ولصراع العشائر، تمامًا كما لو أننا لا نزال نعيش في القرون الوسطى، على المستوى الأوروبي، أو في زمن الجاهلية في صحاري المنطقة العربية، حيث كان الغزو هو المسيطر على الحياة القبلية.
لا نريد أن نصدّق ان الدولة بأجهزتها الأمنية كافة عاجزة عن ضبط الأمن في تلك المنطقة اللبنانية، أو أن “حزب الله” غير قادر على أن يمون على العشائر بما له من سلطة، ولو معنوية عليها، وكأن تلك المنطقة ليست جزءًا من الدولة اللبنانية، وليست خاضعة لشرعيتها، أو كأنها عصيّة عليها وخارجة على القانون.
هل يمكن لأي عاقل أن يصدّق أن “حزب الله” بما يملك من قدرات غير قادر على ضبط الأمن في منطقة تُعتبر خاضعة لنفوذه السياسي والأمني، وهل يمكن إعتبار أن نفوذ العشائر والعائلات في منطقة البقاع أقوى من الدولة ومن “حزب الله” بالذات؟
هل يمكن لأي عاقل أن يصدّق أن “حزب الله” بما يملك من قدرات غير قادر على ضبط الأمن في منطقة تُعتبر خاضعة لنفوذه السياسي والأمني، وهل يمكن إعتبار أن نفوذ العشائر والعائلات في منطقة البقاع أقوى من الدولة ومن “حزب الله” بالذات؟
صحيح أن المصالحات التي تحصل بين الحين والآخر بين العائلات المتنازعة هي ضرورية وواجبة، وهذا ما حصل منذ يومين بين عائلتي آل جعفر وآل شمص بعد معارك ضارية سقط في خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، ولكن ما هو صحيح أيضًا هو أن الدولة لم تقم بالحدّ الأدنى من واجباتها تجاه المواطنين الذين يعيشون في منطقة تُعتبر من المناطق المحرومة ومن المناطق غير الخاضعة لإهتمام هذه الدولة المقصرّة في حق المناطق النائية والبعيدة عن مركزية القرار، الأمر الذي يحفزّ للمطالبة من جديد بإقرار مبدأ اللامركزية الإدارية وإنعاش تلك المناطق وضمهّا إلى الدولة وإلى مؤسساتها الإقتصادية والإجتماعية منعًا من تعميم حالة الحرمان سواء في منطقتي بعلبك – الهرمل أو في عكار والجنوب وفي غير منطقة جبلية.
لو كانت الدولة حاضرة، وبقوة وبفاعلية، في تلك المنطقة وفي غيرها من مناطق البؤس والحرمان، لما كانت لتسمح بأن يكون السلاح المتفلت والخارج عن السيطرة بأن يكون البديل عن قواها الشرعية، ولما كانت تسمح بأن يكون للثأر في القرن الحادي والعشرين مكانًا بين الناس، الذين يلجأون إلى هذه الطريقة الثأرية بسبب غياب الدولة الكلي في كل المجالات، ولاسيما في المجالات الإجتماعية والصحية والتربوية، وهي مقصرّة في تعميم ثقافة التسامح والشعور الضمني بالإنتماء إلى دولة تحصّل له حقوقه وتدافع عنه عندما يتعرّض للأذى.
الحل الأمني، على أهميته، ليس الحل الوحيد في بعلبك والهرمل وعكار والجنوب أو في أي منطقة لبنانية نائية، بل أن تلك المناطق تحتاج إلى وجود الدولة بكل مؤسساتها الرعائية، وأن يكون لوجودها معنى وجودي وحصري.
يجب أن تضرب القوى الأمنية بيد من حديد على أيدي جميع الذين يستبيحونها، وألا يقتصر إستقواؤها على بعض الفئات المستضعفة هنا وهناك، مع وجوب وجود الشرعية بكل مقوماتها ومؤسساتها لإشعار المواطن البعلبكي والعكاري والجنوبي وإبن الجبل بأنهم مواطنون متساوون تحت القانون بالحقوق والواجبات، وبذلك تكون هذه الدولة المقصرّة مسؤولة عن جميع مواطنيها، وبذلك تعود بعلبك إلى لبنانيتها بالمعنى الإنتمائي الطوعي للدولة وشرعيتها، وكذلك إبن عكار وإبن الجنوزب وإبن الجبل.