وبحسب بيان القصر الجمهوري فان التأجيل جاء بناء على طلب بعض الكتل النيابية لبروز صعوبات تستوجب العمل على حلها، ما طرح العديد من علامات الاستفهام حول هذه الصعوبات ومن هي الكتل التي تقف خلف هذا القرار، على الرغم من ان بصمات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل واضحة في هذا الاطار. ولم يكن ادل على افتقار الخطوة الى أي مبرر من مسارعة مصادر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الإعلان ان بري هو ضد تأجيل الاستشارات النيابية ولو ليوم واحد. وبدا الانقلاب على الاستشارات اقرب الى الانقلاب على الفرصة الأخيرة المتاحة لإنقاذ البلاد وسط استفحال ازماتها وانهياراتها ولا سيما ان ازمة الانتشار الوبائي بلغت حدودا مخيفة لجهة انكشاف واقع المستشفيات التي تعجز عن استقبال المرضى او تتأخر في إيجاد أسرة لهم الامر الذي ترجم امس في تسجيل رقم صادم في عدد الوفيات بلغ 20 حالة .
حظوظ الحريري كانت مرتفعة
وفي حين تتجه الأنظار الى الكلمة المرتقبة للرئيس الحريري والتي سيحدد فيها موقفه النهائي من موضوه المشاورات الحكومية ومن مبادرته، كانت الأجواء أمس تشير الى أنه سيصبح اليوم رئيساً مكلفاً للحكومة، وتمثل في عودة سريان التواصل المباشر بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من خلال اتصال اجراه الحريري بجنبلاط وبدد العاصفة التي هبت بينهما قبل أيام. غير ان الأهم هو ان جنبلاط قرر تسمية الحريري في ما بدا اضطلاعاً بدوره المعهود كبوصلة للاتجاهات المفصلية الامر الذي ترجم أيضا قوة الدفع الفرنسي لانجاح المساعي لتشكيل الحكومة الجديدة علما ان جنبلاط وضع كتلة اللقاء الديموقراطي مساء في أجواء اتصال الحريري به كما في أجواء الاتصالات المتواصلة بينه وبين مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون شمال افريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل بهدف إنجاح المبادرة الفرنسية وتنفيذ الإصلاحات التي تضمنتها. واذا كان هذا التطور دفع الوضع قدما نحو عدم ارجاء موعد الاستشارات كما كان يخشى في حال عدم اتضاح الاتجاهات النيابية بشكل واضح، فان رجحان كفة تكليف الحريري كان بدأ يتضح عقب انتهاء جولة وفد كتلة “المستقبل” على القيادات السياسية والكتل النيابية ولو ان ثغرة كبيرة شابت حصيلة الجولة وبرزت من خلال الموقفين السلبيين لـ”القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” من تسمية الحريري بما قد يؤدي الى عقبة ميثاقية باعتبار ان كتلتي الحزبين تشكلان الجزء الأكبر من التمثيل النيابي المسيحي ولو توافر عدد من النواب المسيحيين خارج الكتلتين لمصلحة تكليف الحريري. لكن البوانتاج شبه النهائي لحصيلة المواقف التي قررتها الكتل أظهر ان الحريري كان سيكلف اليوم باصوات يفترض ان تتجاوز 65 صوتا لكل من كتل “المستقبل ” و”التنمية والتحرير” و”اللقاء الديموقراطي ” و”التكتل الوطني” و”كتلة الوسط المستقل”مع ترجيح تسميته أيضا من كتلة النواب الأرمن فضلا عن نواب مستقلين. وأفادت المعلومات ان “كتلة الوفاء للمقاومة” قررت انه في حال كانت الأصوات التي سيحصل عليها الحريري كافية عندها لن يسمي أحدا وفي حال العكس ستسمي الحريري.
وبازاء ذلك قرر “تكتل لبنان القوي”عدم تسمية الحريري في الاستشارات وترك الامر في عهدة رئيس الجمهورية بما اعتبر تسهيلا ضمنيا لمهمة رئيس الجمهورية وعدم التراجع عن عدم تسمية الحريري علما ان مسألة تفويض أصوات النواب لرئيس الجمهورية ليست دستورية وسبق ان اثارت مشكلة كبيرة في عهد الرئيس أميل لحود.
وحسبما نقلت مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، فانّ رئيس “التيار الوطني” “استشعر أنّ تكليف الحريري أصبح أمراً واقعاً بأكثرية مضمونة، واستفزه إعلان نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عن “22 صوتاً مسيحياً” مؤيداً لهذا التكليف، فضغط باتجاه إرجاء الاستشارات بالتشاور مع رئيس الجمهورية، الذي لم يرُق له كذلك أنّ الحريري لم يستجب دعوته إلى عقد لقاء مع باسيل قبل التكليف للاتفاق معه على التأليف، واكتفى بإرسال وفد “المستقبل” إلى ميرنا الشالوحي، فبادر إلى اتخاذ قرار التأجيل في محاولة للدفع باتجاه عقد مثل هذا اللقاء قبل الخميس المقبل”.
ومن هنا، قالت مصادر قريبة من بعبدا، لـ”اللواء” ان الواضح ان تأجيل الأستشارات اتى بفعل طلب عدد من الكتل النيابية المزيد من التشاور ما يتيح للرئيس الحريري ان يزيد من رصيده كي لا يكلف بأكثرية ضئيلة.
وافادت المصادر ان رئاسة الجمهورية لم تكن ترغب في تأجيل الأستشارات الى الخميس المقبل لأن هم الرئيس عون التكليف ثم التأليف لأن وضع البلد لا يحتمل اي تأجيل للحل.
واوضحت ان المهلة الجديدة مناسبة للمزيد من التشاور والبحث مشيرة الى ان هناك سببا حاسما دفع عون الى التأجيل وان من حق الحريري المرشح الأقوى في طائفته الأتيان الى رئاسة الحكومة بأصوات مريحة وذكرت بما كان قد شدد عليه عون لجهة اهمية التشاور قبل التكليف.
وعلمت “النهار” ليلا ان عون اتصل بالحريري وبرر له قرار ارجاء الاستشارات بسبب عامل الميثاقية. ولكن هذه الذريعة بدت ضعيفة جدا نظرا الى ان حكومة حسان دياب كانت تألفت من دون توافر العامل الميثاقي في غياب التغطية السنية كما ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تم فيها تخطي هذا العامل وتأمن النصاب في المرتين.
الرئاسة الأولى تبرر
بالمقابل، وصفت مصادر سياسية لـ”اللواء” قرار الرئيس عون بتأجيل موعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة بانه يمثل ذروة الاداء غير المريح، بل السيء للرئاسة الاولى وتجاوز مصلحة البلاد العليا والاستهتار بالدستور وتوظيف صلاحيات الرئيس لمصلحة صهره النائب جبران باسيل وتوجهاته الشخصية. وتساءلت هل كان يقدم عون على تأجيل الاستشارات لو ان كتلا او تيارات اخرى ارتأت ذلك وحبذا لو اخذ حيزا بسيطا من هذه المبررات الممجوجة في تشكيل الحكومة المستقيلة التي افتقدت الىأدنى مقومات التمثيل لمرجعياتها السياسية والطائفية.
واذ اعتبرت ان هذا التصرف الشاذ على هذا النحو في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة التي يتطلع فيها اللبنانيون بلهفة لتشكيل حكومة جديدة تنتشل لبنان من مخاطر الانهيار المحدقة من كل الاتجاهات، يمعن عون بتوظيف صلاحياته الدستورية لاعاقة وتعطيل انتظام آلالية الدستورية لتسمية رئيس جديد للحكومة للمصلحة الشخصية والحسابات الضيقة،لان مسار الاستشارات المرتقبة، لا يؤشر بانها تصب في المصلحة الشخصية لصهره جبران باسيل وتياره، بل باتجاه مصلحة لبنان العليا ولو كانت على ايدي خصومه السياسيين.
باختصار شديد عون اجل الاستشارات بايعاز معلوم من باسيل لقطع الطريق على تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة الذي بات يحظى بموافقة ملحوظة من الاكثرية بهذا الاتجاه وسعيا لاعادة خلط الأوراق من جديد، لعل في مثل هذه العبثية الدستورية الممجوجة تتحقق اهداف رئيس التيار العوني بابعاده نهائيا عن تولي هذه المسؤولية من جديد ولو كان على حساب عملية انقاذ لبنان من الكارثة.
وقال مصدر واسع الاطلاع لـ”اللواء” ان باسيل يتصرف بطريقة شخصية “كيدية” لجهة ان الرئيس الحريري لم يتصل به، على صعيد اللقاءات كما حصل مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وهو الأمر، حسب المصدر، الذي يطالب الرئيس عون بحصوله أيضاً.
ولم يعرف، مسار التطورات بعد قرار التأجيل، وبأي وجهة ستسير المفاوضات، لئلا ينسف موعد الخميس المقبل، في ظل تفاقم المآزق الداخلي، مع العجز عن حل اللغز الحقيقي لقرار التأجيل، الذي سارع الرئيس برّي لرفضه، ولو كان ليوم واحد..
حزب الله طالب أيضاً بالتأجيل
وبحسب “الشرق الأوسط” فان حزب الله كان أيضاً من المطالبين بتأجيل الاستشارات، فيما قالت مصادر مطلعة إن الرئيس ميشال عون لم يكن بوارد التأجيل. وتحدثت معلومات لـ”الشرق الأوسط” أن “حزب الله” أخذ على عون أنه حدد موعد الاستشارات دون العودة له، وهو سعى لتأجيلها بعد الخلاف مع عون على خلفية الوفد المفاوض، ودخل رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب على الخط وتردد أن ذلك بإيعاز من الحزب، في وقت لم يسأل دياب عن صلاحياته يوم تراجع عن موقفه بخصوص معمل سلعاتا كما تراجع عن موقفه من التعيينات.
وفي السياق عينه، تخوفت أوساط مراقبة من ان يكون وراء الأكمة ما وراءها، لجهة تضارب الصلاحيات في ما يتعلق بإطلاق المفاوضات، والتباين بين الرئيس عون وفريقه و”الثنائي الشيعي” في ما خص الوفد الذي شكله الرئيس لجهة ابعاد المدنيين عنه، واقتصر على المفاوضين العسكريين، وتمسك بعبدا بصلاحية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية، فضلاً عن نقزة الرئيس برّي من فكرة التعديل الدستوري بهذا التوقيت.