أيّ منطق يبرر ارجاء الاستشارات النيابية التي كانت مقررة اليوم؟ حسابيا، على “الورقة والقلم” كان سعد الحريري، سواء أحببناه ام لا، سواء رضي به الشارع ام لا، أمّن السكور المطلوب ليخرج من بعبدا اليوم، رئيسا مكلّفا تشكيل الحكومة.
في بلد منهار، وصل فيه الناس الى الموت على ابواب المستشفيات بسبب كورونا وفقدان المعدات الطبية، في بلد بات الدواء فيه- لا المحروقات والدولار فقط- يباع في السوق السوداء بعد ان فقد من الصيدليات، السلطة في واد آخر، منشغلة بتصفية الحسابات في ما بينها، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة. التيار الوطني الحر، لم يهضم فكرة عودة الرئيس الحريري الى الحكومة، وبعد ان راهن على ان تعرقل مواقف الاشتراكي او شروط الثنائي الشيعي، هذه العودة، أيقن مساء امس ان الرياح تسير بما لا تشتهي سفنه، فلم يجد لاحباط هذا المسار، سوى لعب ورقة تأجيل الاستشارات اسبوعا، والقفز فوق كل الكتل النيابية وآرائها واجتماعاتها، ورمي اللعبة الديموقراطية وقواعدها، في سلّة المهملات.
محاولة القصر الجمهوري اليوم، تعميم معلومات مفادها ان غياب الغطاء المسيحي الوازن لتسمية الحريري دفع الرئيس ميشال عون الى اتخاذ قرار الارجاء، حجة ضعيفة غير مقنعة، لا تنطلي على احد، سيما وان صورة حكومة حسان دياب، وكيفية تشكيلها، لا تزال ماثلة في الاذهان حتى الساعة.ووفق المصادر، كان الثلاثي الحاكم، اي حزب الله – امل – التيار الوطني، لا يريدون عودة الحريري، كلّ لاسبابه، فراحوا ينتظرون بعضهم بعضا لاجهاض مسعى زعيم “الازرق”، لانهم لا يريدون تلطيخ أيديهم بدمائها. فخرج “الثنائي” منتصرا في هذه اللعبة، ووضع بعبدا والتيار، في بوز المدفع.
لكن، في الواقع، تضيف المصادر، الرئيس نبيه بري كان، في الظاهر، مرحبا بالحريري ولطالما ابدى حماسة لعودته الى السراي، لكن الثنائي الشيعي، في الباطن، كان يكمن له عند كوع التأليف. فتكليفه شيء والتأليف شيء آخر. اذ كان الحزب والحركة، على الارجح، سيعودان لتكبيل الحريري بسلسلة شروط لا تنتهي يصعب عليه كسرها، قبل جلاء المشهد الاقليمي في ضوء الانتخابات الاميركية.
ما الذي يمكن ان يحصل خلال الاسبوع الفاصل عن الموعد الجديد للاستشارات؟ لا شيء تجيب المصادر، سيما وان باسيل رفع السقف عاليا امس، وحسمها بأن التأجيل لن يبدّل في موقفه من عدم تسمية الحريري، ما يعني ان اي لقاء بين الحريري وباسيل، كان الاخير يريده بقوة وحرد لأنه لم يحصل، لن يغير في موقف “البرتقالي”، هذا اذا سلّمنا جدلا ان الحريري مستعدّ لمثل هذه الخطوة.
وعليه، توضح المصادر، من المفترض، رحمة باللبنانيين ولعدم حرق مزيد من الوقت المكلف، ان يعلن الحريري انتهاء مسعاه، وان يعرّي المعرقلين امام الرأي العام المحلي والاهم الدولي، وخاصة الفرنسي، فيسارع الى تبديل أسلوبه في التعاطي مع الطبقة السياسية الحاكمة التي أظهرت مرة جديدة، فجورها و”صبيانيتها” وانانيتها، وقصورها، وانفصالها عن الواقع. فأي رهان على خلاص وانقاذ، يمكن ان تقوده هي، بات ضربا من الغباء…
لكن عقابها يجب ان يبدأ من الداخل، على يد الشعب اللبناني… فهل يستفيق من جديد عشية ذكرى ثورته الاولى في 17 تشرين ؟