اسبوع حاسم قبل الاستشارات…. الحريري يكلف ولكن هل يؤلف؟

19 أكتوبر 2020
اسبوع حاسم قبل الاستشارات…. الحريري يكلف ولكن هل يؤلف؟

بات من شبه المؤكد أن الاسبوع الحالي هو من الاسابيع الحاسمة في الموضوع الحكومي، سواء كان الاتجاه نحو تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة المقبلة، او نحو مزيد من التأجيل ما يدخل البلاد فعلياً في عملية مراوحة، ستزيد الطين بلة لا سيما على النواحي الاقتصادي والمالية والاجتماعية.

هذا فضلاً عن ان كل الحجج التي تم وضعها رئيس الجمهورية في الاسبوع الماضي للحؤول دون تسمية الرئيس الحريري باتت في حكم الملغاة ولم تعد تقنع على أحد.
الرئاسة في مأزق
وتكشف المعطيات المتجمعة حتى مساء امس لـ”النهار” ان رئاسة الجمهورية باتت تواجه مأزقا بالغ الحرج بعد تصاعد التداعيات الداخلية والخارجية في وجهها عقب ارجاء الاستشارات الأسبوع الماضي. فعلى الصعيد الدولي بات في حكم المؤكد ان الضغط الفرنسي والأميركي المزدوج تصاعد بقوة من اجل الإفساح امام الاستشارات بما وفرته من أكثرية لتكليف الرئيس سعد الحريري وقد سمع الذين قابلوا مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر قبل أيام تأييدا واضحا لديه لتكليف الحريري بما ينسجم مع تأييده للمبادرة الفرنسية نفسها. اما في البعد الداخلي فان مجمل الازمات وتداعياتها تملي ترجيح كفة التزام الموعد الجديد للاستشارات وعدم الارجاء ثانية لان الثمن الذي سيتحمله العهد ان اقدم على تأخير الاستشارات للحؤول دون تكليف الحريري سيكون فادحا. فالأكثرية التي توافرت للحريري لن تتبدل حتى في حال ارجاء الاستشارات مجددا ثم ان العهد سيتحمل تبعات بالغة الخطورة للارجاء الثاني من شأنها فتح الازمة نحو تداعيات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية قد تكون الأسوأ اطلاقا منذ بدايات الانهيار في لبنان.
 
في موعدها… ولكن 
وفي هذا الاطار، أكدت مصادر مطلعة لـ”النهار” ان الاستشارات النيابية الملزمة ستجرى في موعدها الخميس المقبل، ولن تؤجل ، الا ان المشكلة التي حاول رئيس الجمهورية تفاديها قبل التكليف ستنتقل الى عملية التأليف. فالحريري سيكلف الخميس وبأصوات تراوح بين 68 و70 صوتاً بما فيها نحو ثلث النواب المسيحيين في المجلس من كتل “المردة” والقومي والطاشناق الذي قد يتمايز عن “تكتل لبنان القوي” ، اضافة الى النواب المنتمين لكتلتي “المستقبل” “والتنمية والتحرير”.
 
وتشير المصادر المتابعة الى ان تكليف الحريري ينطلق من هذه النسبة من الاصوات ليدخل ازمة تأليف في معضلة الوقوف على رأي الكتل بتسمية ممثليها في الحكومة لا سيما اذا وافق مسبقاً على مطلب “أمل” و”حزب الله” بالحصول على وزارة المال وبتسمية وزرائهما، فضلاً عن مطلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالتمثيل الدرزي. 
 
ووفق المصادر ان هذا التفاهم المسبق قد يقيد الحريري بمطلب الكتل الاخرى بحقها في التسمية.
 
وتراهن هذه المصادر على دور فرنسا باعادة تحريك اتصالاتها مع القوى السياسية اللبنانية ومع الدول الخارجية المعنية بالملف اللبناني.  فواشنطن وكما نقل عنها انها غير مهتمة الا بالاسراع بتأليف حكومة لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وكذلك هو موقف الرياض المبتعد عن الواجهة الحكومية.
 
وتشير المصادر الى ان اللواء عباس ابرهيم وفِي طريق عودته من واشنطن سيمر بباريس حيث ستكون له اتصالات او لقاءات ستشمل رئيس الاستخبارات الخارجية السفير برنار ايمييه، واذا احتاج الامر السفير ايمانويل بون مستشار الرئيس الفرنسي رئيس خلية الازمة المعنية بالملف اللبناني. مع العلم ان الادارة الفرنسية كانت أطفأت محركاتها في الشأن اللبناتي على خلفية استيائها من القوى السياسية وعدم التزامها ما تعهدت به بشأن تأليف حكومة انقاذية تفتح الباب على الاصلاحات المطلوبة وعلى عقد باريس لمؤتمر دعم للبنان.
 
وفيما يلتزم الحريري الصمت بانتظار يوم التكليف، تؤكد مصادر “المستقبل” ان الحكومة التي سيؤلفها هي حكومة قادرة على تنفيذ المبادرة الفرنسية، واذا اصرت القوى السياسية على تسمية ممثليها في الحكومة ففي هذه الحالة لن تشكل الحكومة.
 
وفي أي حال بدت أوساط بارزة في قوى 8 آذار نفسها متخوفة مساء امس من احتمال ارجاء الاستشارات مرة أخرى الخميس المقبل. وإذ لفتت هذه الأوساط الى ان الاتصالات السياسية كانت معدومة في الأيام الأخيرة لم تخف اعتقادها بان الإرجاء المحتمل للاستشارات ومجريات الأمور قد تؤثر سلبا على حظوظ تكليف الحريري .

الرئيس بري: في أمل
وبالانتظار، يبدي رئيس مجلس النواب نبيه بري تفاؤله بأن يعبر الملف هذا الأسبوع من ضفة التكليف إلى ضفة التأليف، استناداً إلى الرهان السائد على استنفاد رئيس الجمهورية ميشال عون قدرته على تسويف موعد الاستشارات النيابية الملزمة وإرجائها إلى ما بعد الخميس المقبل. غير أنّ مصادر مواكبة للمجريات الحكومية لا تزال تساوي بين كل الاحتمالات والرهانات، وتحاذر التعويل على أي احتمال أو رهان بشكل قاطع “طالما أنّ الموضوع بالنسبة لرئيس الجمهورية مرهون بإرضاء جبران باسيل”، مشددةً لـ”نداء الوطن” على أنه “إذا كان الاتجاه الغالب خلال الساعات الأخيرة هو نحو إجراء الاستشارات في موعدها وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، فإنّ ذلك لا يمنع حصول أي تبديل في المعطيات والتوجهات في بعبدا كما حصل عشية موعد الاستشارات الخميس الفائت”. وأعربت عن قناعتها في الوقت عينه بأنّ “إجراء الاستشارات الخميس المقبل لن يعني بالضرورة تسهيل ولادة الحكومة إنما قد ينقل الكباش الحكومي بين بعبدا وبيت الوسط من التوقيع على مراسيم التكليف إلى التوقيع على مراسيم التأليف في حال لم تحصل ضغوط خارجية كبيرة تفرض ولادة الحكومة سريعاً”.
في الموازاة، لن يكون ثنائي حركة أمل وحزب الله معرقلاً للتأليف. الاتفاق بشأن الحصة الشيعية منجز، والحريري لن يمانع أن يسمي الطرفان وزراء الطائفة من غير الحزبيين. لكن الاتفاق أو التوافق على التأليف لا ينسحب على برنامج الحكومة. هنا، بحسب المعلومات، يبدو أن الاتفاق ليس منجزاً. الحريري طلب “شيكاً على بياض” من القوى التي يتواصل معها، لجهة منحه حرية تطبيق برنامج مع صندوق النقد الدولي. يُردّد أنها الفرصة الأخيرة للإنقاذ، ولذلك يطلب من جميع الذين يتواصل معهم تعهداً مسبقاً بالسير ببرنامجه الحكومي، المبني أساساً على المبادرة الفرنسية وتطبيق برنامج صندوق النقد الدولي. لا أحد يعارض، في المبدأ، المبادرة الفرنسية. لكن العشرة في المئة، التي سبق أن أبلغ النائب محمد رعد تحفظ الحزب عليها، لا تتعلق برفض الانتخابات النيابية المبكرة وحسب، بل تشمل أيضاً بعض شروط صندوق النقد غير المقبولة بالنسبة إليه. تلك تحديداً ما يريد الحريري الحصول على التزام بشأنها. يقول إنه لا بد من السير بإجراءات قاسية لفترة وجيزة، على أن يعود البلد بعدها لينهض من أزمته. لكن الحريري لم يسمع جواباً يرضيه من حزب الله الذي يرفض إطلاق يدي الحريري في السلطة، وتحديداً لجهة الالتزام بما يطلبه صندوق النقد.
التيار على موقفه
في المقابل، حسم التيار الوطني الحر موقفه باكراً، مؤكداً أنه لن يغيّر رأيه من الاستشارات. وهو لن يسمّي الحريري، حتى لو اتصل بباسيل أو لم يتصل. مع ذلك، تؤكد مصادر متابعة أن باسيل لم يستسلم بعد. مصادر متابعة تشير إلى أنه يسعى خلال الأيام الفاصلة عن موعد الاستشارات، الذي صار صعباً على رئاسة الجمهورية تحمّل تبعات تأجيله مجدداً، إلى إقناع حلفائه بقطع الطريق على الحريري، وتسمية جواد عدرا أو جمال كبي لتأليف الحكومة. حزب الله يرفض السير بخيار كهذا. يدرك سلفاً أنه سيكون محكوماً بالفشل، أسوة بتجربة حكومة حسان دياب، التي لم تستطع جمع الداخل ولا كسب دعم الخارج. ولذلك يدرك الحزب أن التفاهم مع الحريري قد يكون الخيار الأفضل في هذه المرحلة، من دون أن يعني ذلك أنه حسم أمره بتسميته في الاستشارات. أما الحريري، فيدرك سلفاً أن الحزب لن يعرقل عمله، كما يدرك أن الأكثرية النيابية مضمونة له، مع حصوله على أصوات كتلته، إضافة إلى أصوات كتل: التنمية والتحرير، اللقاء الديموقراطي، اللقاء التشاوري، المردة، الطاشناق (أعلن النائب أغوب بقرادونيان أن الحزب سيتخذ قراره غداً ولن يكون بالضرورة متوافقاً مع موقف تكتل لبنان القوي)، إضافة إلى نواب مستقلين.
من جهة ثانية كشفت مصادر سياسية ان اتصالات بعيدة من الاضواء تجري لترتيب لقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس سعد الحريري قبل حلول موعد الاستشارات النيابية الملزمة المؤجلة منذ الاسبوع الماضي، للتفاهم على تسريع خطى هذه الاستشارات وإزالة غيمة التباين في العلاقة بين الحريري وصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل بعدما وصلت هذه العلاقة الى الدرك الأسفل بسبب سلوكيات الاخير الاستفزازية الحمقاء في التعاطي السياسي، ان كان في المرحلة السابقة او الحالية بعدما فشلت كل المحاولات لجمعه مع الحريري قبل مرحلة الاتصالات والمشاورات الاخيرة لاستكشاف مدى استعداد الاطراف السياسيين الاستمرار بالالتزم بتاييد ودعم تنفيذها.

واستغربت المصادر السياسية كل ما يروج ويشاع عن مدى التاثير السلبي لاستثناء باسيل من اللقاءات مع الحريري قبل موعد الاستشارات على عملية التسمية أولا وتشكيل الحكومة الجديدة. وقالت منذ بداية تحركه التقى الحريري رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي من موقعهما الدستوري واعتمد الية تولى عبرها وفد رفيع من كتلة المستقبل النيابية زيارة رؤساء وممثلي الكتل في منازلهم أو مقراتهم للتشاور معهم حول مواقفهم من المبادئ ولم يتم كسر هذه القاعدة مع اي رئيس تكتل اخر خلافا لما يتم الترويج له زورا لتبرير اللقاء مع باسيل، في حين ستشمل لقاءات الرئيس الحريري ومشاوراته مع جميع رؤساء الكتل، بمن فيهم رئيس التيار الوطني الحر في حال تسميته رئيسا للحكومة الجديدة.

في المقابل، فان كتلة نواب الأرمن، تتجه للتغاير عن موقف التيار الوطني الحر، حيث يزور رئيس حزب الطاشناق آغوب باقرادونيان قصر بعبدا اليوم، على ان تجتمع كتلة النواب الارمن عشية الاستشارات لتحديد الموقف، مع الاتجاه لتسمية الرئيس الحريري، باعتباره المرشح الوحيد، الأقوى في طائفته.

وبالنسبة لكتلة اللقاء الديمقراطي، علمت “اللواء” ان الكتلة ستمسي الرئيس الحريري، وعند التأليف، ستطالب بحصة وزارية، تمثل الدروز، ولا تقتصر على النائب الامير طلال ارسلان.

العقدة في التأليف لا التكليف
في موازاة هذه الصورة اوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” ان الملف الحكومي مجهول المصير اقله في عملية التأليف خصوصا ان التكليف حاصل للرئيس سعد الحريري ما لم يسجل اي تطوّر. وأفادت المصادر ان اللقاء الذي لم يعقد بين الرئيس الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبل التكليف قد يعقد في خلال مشاورات التكليف الا اذا غاب باسيل وحمل كتلته المطالب، لكنها رأت ان لا احد يعلم كيف ستحل معضلة التأليف وما اذا كان التمثيل المسيحي سيقتصر على من سمى الحريري في الأستشارات ام لا .ِ

وقالت انه من الآن وحتى الخميس كل الاحتمالات واردة ان لجهة بقاء الامور على حالها او حصول خرق ما لكن اي تأجيل اخر للاستشارات له تبعاته ولذلك يترقب ان تتضح المعالم الحكومية اكثر فأكثر.

وحسمت مصادر نيابية عملية التكليف، وقالت ان المراسيم ستصدر الخميس، بعد الاستشارات، على ان تعالج قضية باسيل عند تأليف الحكومة.
موقف فرنسي اذا استمر التعطيل
وكشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية ان المسؤولين الفرنسيين المعنيين بمتابعة تنفيذ المبادرة الفرنسية، عبروا عن استيائهم الشديد من قرار رئيس الجمهورية ميشال عون تأجيل مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة استنادا الى ذرائع واهية وغير مقنعة، وهي لا تعير أي اهتمام لمصلحة الشعب اللبناني وحل الازمة المعقدة التي يعانيها، وانما تبين ان التأجيل يعود لمصالح شخصية وغايات خاصة.
واشارت المصادر إلى ان المسؤولين الفرنسيين الذين نقلوا هذا الاستيلاء عبر ديبلوماسي أوروبي في لبنان، يعتبرون ان التأجيل الذي الذي حصل يستهدف المبادرة الفرنسية أيضا وهي المبادرة التي على اساسها، تجري التحركات والاتصالات لتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا يتعارض كذلك مع المواقف التي تؤكد استمرار تأييد المبادرة المذكورة، وفي الوقت نفسه تعيق وتعرقل تنفيذها فعليا على أرض الواقع. 
ولمح هؤلاء المسؤولين الى مواقف عالية النبرة ستتخذ في حال استمر تعطيل الاليات التي ينص عليها الدستور اللبناني  لغايات ومصالح خاصة، لا تأخذ بعين الاعتبار اهمية الالتزام بتنفيذ بالدستور لتشكيل الحكومة الجديدة لصالح إنقاذ لبنان من سلسلة الازمات التي تتراكم وتضغط بقوة على الشعب اللبناني.
الى ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية ان الجانب الأميركي يؤيد ترشيح الرئيس الحريري، وهو متوافق مع الجانب الفرنسي على هذا الصعيد.
في الموازاة، تبدو قوى 8 آذار متلهفة لعودة اللواء عباس ابراهيم في سبيل تقصي أجواء “التعليمة” الأميركية إزاء المرحلة اللبنانية المقبلة، كما عكست أجواء أوساطها خلال الساعات الأخيرة، في حين ستكون لابراهيم محطة فرنسية أيضاً في طريقه إلى بيروت، بحيث عُلم أنه سيبيت ليلةً في باريس وقد يحمل خلالها رسائل ذات صلة بالملف الحكومي إلى المعنيين في السلطة ربطاً بموجبات تنفيذ المبادرة الفرنسية.