في ظل الانشغال اللبناني بمماحكات الميثاقية وتصفية الحسابات الداخلية، تمر المهلة “الجديدة” التي أعطاها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى أفرقاء الداخل لتأليف حكومة مهمة تضم في صفوفها اختصاصيين مستقلين عن الأحزاب بسرعة، تجعلها تبدو وكأنها على هامش المشهد السياسي العام، فيما فرنسا ومعها المجتمع الدولي يراقبان بعين الدقة والحذر مجريات تأليف الحكومة المعلقة على ما سينتهي إليه يوم الخميس المقبل.
وفي الانتظار، وفي ظل الخواء الذي يملأ الصورة، حتى اللحظة على الأقل، تحذر مصادر ديبلوماسية من أن المبادرة قد تذهب أدراج الرياح في حال استمر المعنيون في اعتماد نهج المماطلة في ايجاد الحلول لبلاد وقعت في المحظور منذ زمن، فهب الرئيس الفرنسي إلى نجدته، لا لشيء إلا لأنه بدا على يقين بأن الخطر هذه المرة يكمن في “زوال لبنان”، كما كان وزير الخارجية الفرنسية جان-أيف لودريان قد حذر في مقابلة إذاعية في السادس من أيلول.
وإذا كانت مصادر سياسية عديدة تستبعد أن تعمد فرنسا إلى ترك “ابنها اللبناني المدلل” يتخبط في مصيره المجهول، فإنها تلفت إلى أن هذا لا ينفي أن فرنسا ودوائر قرارها الرسمي لم تعد تخفي الامتعاض إزاء “التصرفات غير المسؤولة” التي يبادر إليها بعض المسؤولين.
وتذكر أن فرنسا ليست وحدها في التعبير عن هذا الامتعاض.
بدليل أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هاجم أمس بعنف معرقلي المبادرة الفرنسية ومعطلي استشارات التكليف وقطار التأليف.
على أن المصادر تنبه إلى أن ما يمكن تسميتها المرحلة الثانية من المبادرة الفرنسية تبدو محفوفة بالمخاطر ذات الطابع الأمني.
ففي وقت عاش اللبنانيون في نعيم ما انتهت إليه معركة فجر الجرود قبل 3 سنوات، عادت الخلايا الارهابية الداعشية لتعبث بالأمن والاستقرار، وهو ما دلت إليه جريمة كفتون الشنيعة، وما تبعها من توقيفات قادت القوى الأمنية إلى إحباط كثير من المخططات السوداء للبنان.
وتختم مذكرة أن أحدا لا ينكر أن الهدف الأول للرئيس ماكرون من وراء تحركه السريع في اتجاه لبنان يكمن في تحصين موقع بلاده على الخارطة الدولية، فيما طعنت باريس مجددا بنكسة إرهابية بعد مقتل أستاذ عرض صورا للنبي محمد على تلامذته.
لكن هذا لا ينفي أن فرنسا تريد أيضا إبقاء لبنان في منأى عن الصراعات في محيطه اللاهب، وهو ما يفسر انفتاح ماكرون على حزب الله، بوصفه أحد أهم العوامل المؤثرة في القرار السياسي والاستراتيجي في لبنان، بدليل أنه جر البلاد إلى وحول الحرب في سوريا، وأطاح فرصة السفير مصطفى أديب، معيدا الأمور إلى نقطة الصفر.