بعد أكثر من عام على اندلاع ثورة 17 تشرين، يبدو من المخيب للآمال أن تكون السلطة السياسية مستمرة في إدارة الأذن الصماء لمطالب الناس، بدليل أن حكومة الرئيس حسان دياب تألفت بغض النظر عن اعتراض الشارع، إلى أن أتى انفجار مرفأ بيروت واطاح تجربة دياب الحكومية القصيرة.
كل هذا لتدور الأمور دورة كاملة وتعود إلى تكليف الرئيس سعد الحريري، اذا لم يطرأ طارئ في بلد المفاجىت، تشكيل حكومة جديدة، في قفزة متجددة فوق الشعار الشهير “كلن يعني كلن”، الذي لا يستثني أحدا. على أن الأهم أن المجتمع الدولي يراقب بدقة تطور الصورة المحلية تزامنا مع إنطلاق العام الثاني من عمر الثورة، وينتظر بفارغ الصبر تشكيل حكومة جديدة بغض النظر عن شخص رئيسها، فالمهم في الوقت الراهن مد البلاد بمقومات الصمود الاقتصادي في زمن الانهيارات المالية الزاحفة.
وفي وقت يسلم الجميع، نظريا على الأقل، بهذه الأولويات البديهية، تلفت مصادر سياسية تدور في الفلك المعارض عبر “المركزية” إلى أن “تشكيل حكومة المهمة التي طالب بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليس الالتزام الوحيد الذي من المفترض أن يحترمه القادة السياسيون وينتظره أصدقاء لبنان على الساحة الدولية.
وتذكر بأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان أحدث مفاجأة قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث تعهد بأن يدعو إلى طاولة حوارية تحت قبة قصر بعبدا تناقش الملفات اللبنانية الساخنة، لا سيما منها الاستراتيجية الدفاعية، وهي التي تتطلب توافقا وطنيا شاملا.
وبينما بدا أن إطالة أمد التأليف في زمن حكومة ما بعد الانتخابات وما تبعها من تطورات وتحركات ميدانية وانهيارات اقتصادية أخرت الموضوع وقذفت الملف إلى غياهب المجهول، على الطريقة اللبنانية المعهودة، تنبه المصادر إلى أن زمن ما بعد ثورة 17 تشرين ليس كما قبله، معتبرة أن الانتفاضة، وإن تراجع حجمها وزخمها في الشارع فرضت ايقاعا جديدا جعلها أقنوما لا يمكن تجاوزه في المعادلة الداخلية، ما يعني أن إذا كانت السلطة خائفة من انتخابات نيابية مبكرة تطيح امتيازات أفرقائها، فإن الأجدى الاستجابة إلى واحد من أهم مطالب المنتفضين، البحث الجدي في ملف النظام السياسي وآلياته وثغراته، بدلا من المضي في رفع لواء الديموقراطية العددية التي تحول حتى اللحظة دون الاقدام على هذه الخطوة.
وإذ تشير المصادر إلى أن نقاشا كهذا يتطلب طاولة حوارية موسعة، تلفت إلى أن هذه الطاولة تكتسب أهميتها على وقع الملفات الكبيرة المستجدة، أبرزها التفاوض مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البرية والبحرية، في زمن التسويات في المنطقة، والانتخابات الأميركية، والتطبيع العربي، والخليجي تحديدا. وتنبه إلى أن هذه ملفات كبيرة، بل متفجرة، لا يمكن لبنان أن يغض الطرف عنها، بل يفترض به أن يواكبها بحوار وطني شامل صار أكثر إلحاحا من أي وقت.