وقالت المنظمة إنّ التحقيق المحلي في “الانفجار المدمّر الذي طال مرفأ بيروت في 4 آب 2020 لم ينتج عنه أيّ نتائج موثوق بها، بعد أكثر من شهرين”، مضيفةً: “التدخّلات السياسية المرفقة بالتقصير المتجذّر في النظام القضائي جعلت على ما يبدو من المستحيل إجراء تحقيق محليّ موثوق به ومحايد”.
وتابعت: “ينبغي أن تحضّ “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان”، التي ستجتمع الأسبوع المقبل، السلطات اللبنانية على دعوة “الأمم المتحدة” إلى إجراء تحقيق مستقلّ لتحديد أسباب الانفجار والجهات المسؤولة عنه”.
من جهتها، قالت آية مجذوب، وهي باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: “وحده تحقيق دولي ومستقلّ كفيل بكشف حقيقة الانفجار. ينبغي ألّا تُجاري “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان” تظاهر السلطات اللبنانية بقدرتها على إجراء تحقيق موثوق به. في 10 آب، أحالت الحكومة اللبنانية ملفّ انفجار بيروت إلى “المجلس العدلي”، وهو محكمة خاصّة لا تسمح بالاستئناف. عُيِّن القاضي الذي ترأس التحقيق في عملية مبهمة ومُحاطة بمزاعم التدخّل السياسي، ما أثار مخاوف جدية حول استقلالية العملية. بينما شارك محقّقون أجانب، بينهم نحو 50 من الشرطة الجنائية والدرك الفرنسيَّين و”مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأميركي، في التحقيقات المحلية الجارية بدعوة من السلطات اللبنانية، لا تعالج مشاركتهم العيوب الجوهرية في المقاربة الراهنة. يبقى غير واضح دور هؤلاء الخبراء الأجانب وقدرتهم على التحدّث علنا عن النتائج التي توصّلوا إليها أو انتقاد محاولات تقويض عملهم”.
وشدّدت المنظمة على ضرورة توضيح فرنسا وأميركا دورهما وتفويضهما، وأن تكشفا علنا أيّ محاولات لعرقلة العدالة.
وفي هذا الإطار، قالت مجذوب: “المسؤولية عن انفجار بيروت تتخطّى بأشواط المشرفين على المرفأ والجمارك. أيّ تحقيق يدّعي الحياد ينبغي أن ينظر في الفساد وسوء الإدارة المتغلغلَين في النظام السياسي بأكمله، اللذين خلقا الظروف المؤاتية للانفجار”.
وتابع تقرير المنظمة: “بعد الانفجار، تقاذف المسؤولون اللوم تشير سجلات المحكمة والمراسلات الرسمية المسرّبة إلى وسائل الإعلام إلى أن العديد من المسؤولين الكبار، بمَن فيهم الرئيس، ومسؤولون أمنيون، ومسؤولون قضائيون، كانوا على علم بمخزون نترات الأمونيوم الخطير في المرفأ، لكنهم لم يتحركوا. نقلت “رويترز” عن مصدر رسمي لم تسمّيه قوله إنّ التحقيقات الأولية تشير إلى “التراخي والإهمال” في تخزين نترات الأمونيوم شديدة الانفجار.
أدّى افتقاد التحقيقات المحلية إلى الاستقلالية والشفافية إلى فقدان واسع للثقة الشعبية في الإجراءات، ما دفع العديد من الضحايا وعائلاتهم إلى المطالبة بتحقيق دولي. قالت هيومن رايتس ووتش، وغيرها من المجموعات الحقوقية، منها “منظمة العفو الدولية”، إنه ينبغي إجراء تحقيق دولي. رفض المسؤولون اللبنانيون هذه الدعوات، ووصف الرئيس ميشال عون أي تحقيق من هذا القبيل بأن “الهدف منه تضييع الوقت”.
وقالت مجذوب: “أظهر تقصير السلطات اللبنانية في الشهرين الماضيَين أنّ التحقيق الدولي هو السبيل الوحيد ليحصل اللبنانيون على الأجوبة والعدالة التي يستحقّونها في انفجار بيروت. كما أظهرت أهمية وإلحاح معالجة نقاط الضعف الهيكلية التي تمنع القضاء اللبناني من تحقيق العدالة بشكل مستقلّ وحيادي”.
وفي تعليق على تشكيل مجلس الوزراء “لجنة تحقيق إدارية” برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وتضمّ وزراء الدفاع، والعدل، والداخلية، إلى جانب قائد الجيش ومديري ثلاثة أجهزة أمنية، قالت “هيومن رايتس ووتش” إنّ مجلس الوزراء انحرف بشكل مُستهجَن عن مبادئ الاستقلال والحياد عندما سلّم التحقيق للوزارات والمؤسسات نفسها التي يجب أن تكون قيد التحقيق.
وعلى صعيد توصية القاضي غسان عويدات مجلس الوزراء بإحالة القضية إلى المجلس العدلي، وتعيين وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم القاضي فادي صوّان كمحقّق عدلي، قالت المنظمة: “أحاط الغموض بتعيين المحقّق العدلي، وسط مزاعم بالتدخّل السياسي. رفض مجلس القضاء الأعلى قاضيَين كانت وزيرة العدل قد اقترحتهما في البداية، من دون شرح القرار، مكتفيا بالقول إنّ مداولات المجلس سرية.بالكاد أعطى القضاء معلومات للناس عن تحقيق القاضي صوّان، وكلّ المعلومات تقريبا عن وضع القضية جاءت من تسريبات إعلامية كان بعضها غير دقيق”.
وتابعت: “يعمل مجلس القضاء وفق افتراض أنّه غير مختصّ في محاكمة الرؤساء والوزراء الحاليين أو السابقين. يحاجج بأنّه، وبسبب الحصانة القانونية للموظفين الرسميين، لا يحق بذلك إلا لـ “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، وهو هيئة من سبعة نوّاب ينتخبهم البرلمان وثمانية قضاة يعيّنهم القضاء. لكن، لم ينشأ هذا المجلس بعد”. المجلس العدلي هو محكمة خاصة ذات قرارات غير قابلة للاستئناف، وينتهك بذلك الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة. تتم الإحالات إلى المجلس العدلي على أساس تقديري بموجب مرسوم وزاري، بناءً على توصية وزير العدل، في القضايا التي تُعتبر عالية الخطورة. يعيّن وزير العدل رئيس المجلس العدلي والمحقق العدلي بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى. يفتقد مجلس القضاء الأعلى، الهيئة المسؤولة عن التوصية بتعيين قضاة في محاكم معينة، إلى الاستقلالية، ولطالما كان وسيلة للتدخل السياسي في القضاء. تعيّن السلطة التنفيذية ثمانية من أعضائه العشرة، ويفتقر المجلس إلى الاستقلال المالي، حيث يتم تخصيص الأموال له سنويا من ميزانية وزارة العدل. لطالما انتقد نادي قضاة لبنان علنا عدم استقلالية القضاء وقاد جهودا إصلاحية”.
وعليه، خلصت “هيومن رايتس ووتش” إلى أنّه ينبغي للبنان تعديل “قانون أصول المحاكمات الجزائية” بحيث تتماشى أحكامه مع مبادئ المحاكمة العادلة، وسن قانون ينصّ على استقلالية القضاء، وهو يقبع في أدراج مجلس النواب منذ سنوات”. وختمت تقريرها: “لم يتخذ المجلس العدلي إجراءات ضدّ التلاعب المزعوم بالأدلة، ما أضعف الثقة في مصداقية التحقيق. قدمّ صحفيون من قناة “الجديد” المحلية أدلّة على أن مسؤولين أزالوا وثائق من وزارة الأشغال العامة، التي تشرف على المرفأ، في 9 آب”.