وتابع البيان: “كمال جنبلاط في معرض هذا الشرح المتكامل، تحدث عن الواقع اللبناني كما هو، إذ قال إن “لبنان بوصفه يجمع إلى حد ما بين التراث المسيحي الغربي والتراث العربي الإسلامي، قد يكون أفضل آلة لقياس واقع الحضارة وأزمات التقدم والحضارة في الشرق العربي”، مؤكدا أن “لبنان كيان طبيعي جغرافي حقيقي”، واضعا “التقسيم الإداري” كأحد “أسباب الاستقرار والانضباط الإداري والسياسي”، دون أن يتحدث بتاتا عن اي نوع آخر من أنواع التقسيم الجغرافي او الطائفي او المالي، والتي عندما طرحها الآخرون لم يعارضها كمال جنبلاط فحسب، بل قاتل بوجهها”.
وأردف: “صحيح أن كمال جنبلاط في معرض وصفه للواقع أيضا، قال إن لبنان “يشكل اتحادا فدراليا واقعيا للقرى والأقاليم والتقاطيع الجغرافية الطبيعية”، وما بين جبل لبنان والمدن الساحلية، وما بين المقيمين والمغتربين، وما بين العائلات الروحية، لكنه أكمل ليقول في النص نفسه إن “لبنان وجد فعلا ليكون بلد اللامركزية”. وإذ يستعمل الوصف المستخدم من قبل البعض (بلد “الكنتونات”) فإنه يضع الكلمة بين مزدوجين للاشارة الى اقتباسها، ويضيف ليؤكد أنه “لم ينجح حكم في لبنان سوى حكم اللامركزية”، ثم يشرح قصده باللامركزية بقوله: “إنما الديموقراطية السياسية الناجحة في النهاية لا تقوم إلا على مرتكز قوي ومتطور من الديموقراطية البلدية المحلية”، أي أنه كان حاسما في الإشارة الى اللامركزية الادارية والبلدية المحلية. وهذا ما يعود لتوصيفه بشكل أدق في مكان آخر من المحاضرة حينما يقول إن لبنان “بالرغم من التناقضات والمفاوضات والتعاكسات والتنوعات التي يتضمنها ويحتضنها، كان ولا يزال يشكل وحدة للعيش واحدة، وحدة للحياة مشتركة… وقد يكون في ذلك السر والسبب الذي يجعل التناقضات والمفارقات والتنوعات والاختلافات والأزمات كافة تجد في النهاية لها حالا واقعيا منسجما وتسوية معقولة، وتأليفا يحافظ فيه على طرفي النقيض وقطبي التعاكس في عملية تطور الحياة الحقيقية التي تجمع على الدوام بين التناقضات ثم تهدمها لتبني تناقضا آخر أكثر انسجاما، ولا تذهب أبدا من نقيض، كما يتصور ذلك الجاهلون لشرائع سير التاريخ ودفق الحياة”.
وأضاف البيان: “وقد ختم كمال جنبلاط بالتأكيد على أن “لبنان وجد لكي يكون بلد العقل”، وأن “العقبة والمانع هو نقص، أو انعدام النضج السياسي، وهو نقص، أو انعدام، النضج الحضاري، وهو أيضا نقص، أو انعدام، الروح الديمقراطية الصحيحة، وهو هذه الانعزالية في التفكير، الانعزالية في الاقتصاد، الانعزالية في الوطنية الضيقة إنسانيا وعربيا”، مشيرا الى ان لبنان “بحاجة إلى تنظيم ولامركزية واسعة في الإدارة العامة ومراقبة وتفتيش شديدين في آن واحد”، وإلى ان “هذه الروح من الاشتراك … يجب أن تتقوى في لبنان، لعل فيها السبيل للقضاء على التعصب الطائفي، وعلى روح التفرقة. وهذه الروح هي في الواقع أفضل ما في لبنان”.
وختم البيان: “فحبذا لو يقتدي منظرو اليوم واهمو الأمس والغد، بكمال جنبلاط بكليته، وليكن بيننا نقاش راق عقلاني نغوص فيه في فكر المعلم الشهيد الذي لبنان اليوم في أمس الحاجة اليه للخروج من مستنقعات الاستئثار والاستكبار، ووحول الأزمات التي تتظهر معها من جديد روح انعزالية انتحارية تتلبس أشكالا مختلفة، لكنها من عهود قديمة بالية، وقد وصفها كمال جنبلاط ب”الهوس الجاهل”. فحذار ثم حذار من هذا الهوس الجاهل”.