وقال: “أمام هذا الواقع الأليم والإلتزام بإزالته، تقف الحكومة العتيدة قبل تشكيلها وبعده. فإنّا، إذ نهنئ رئيسها المكلّف سعد الحريري، نُشجّعه ونرغب إليه أن ينطلق في تشكيل حكومته من هذا الواقع. فمعه الشعب المنتظر الفرج، والثورة الإيجابيّة العابرة للطوائف والأحزاب والمناطق، ومعه اللبنانيّون المحبّون للبنان، ومعه الكنيسة المؤتمنة على خير كلّ إنسان، ومعه منكوبو نصف العاصمة بيروت المدمّرة من إنفجار المرفأ، وأكثريّة أهلها الساحقة من المسيحيّين”.
ودعا البطريرك الرئيس المكلف إلى “تخطّي شروط الفئات السياسيّة وشروطهم المضادّة، وتجنّب مستنقع المصالح والمحاصصة وشهيّة السياسيين والطائفيين، فيما الشعب منهم براء. وقال “من أجل بلوغ هذا الهدف نقول لك بإحترام ومودّة: إلتزم فقط بنود الدستور والميثاق، ومستلزمات الإنقاذ، وقاعدة التوازن في المداورة الشاملة وفي إختيار أصحاب الكفاءة والأهليّة والولاء للوطن، حيث تقترن المعرفة بالخبرة، والإختصاص بالإستقلاليّة السياسيّة. إحذر الإتفاقيّات الثنائيّة السريّة والوعود، فإنّها تحمل في طيّاتها بذور خلافات ونزاعات على حساب نجاح الحكومة: “فلا خفيّ إلّا سيظهر، ولا متكوم إلّا سيُعلم ويعلن، لأنّ كلّ ما قلتموه في الظلمة سينادى به على السطوح” (لو 12: 2-3)، على ما يقول السيّد المسيح. لا تضع وراء ظهرك المسيحيّين، تذكّر ما كان يردّد المغفور له والدك: “البلد لا يمشي من دون المسيحيّين”. هذا انتباه فطن وحكيم، فالمسيحيّون لا يساومون على لبنان لأنّه وطنهم الوحيد والأوحد، وضحّوا كثيرًا في سبيل إيجاده وطنًا للجميع، وما زالوا يضحّون”.
وتابع: “أنتم هذه المرّة، خلافًا لكلّ المرّات السابقة، أمام تحدٍّ تاريخيّ وهو إعادة لبنان إلى دستوره نصًّا وروحًا، وإلى ميثاقه، وإلى هويّته الأساسيّة الطبيعيّة كدولة الحياد الناشط، أي الملتزمة ببناء سيادتها الداخليّة الكاملة بجيشها وقواها العسكريّة، والقائمة على سيادة القانون والعدالة، والممسكة وحدها بقرار الحرب والسلام، والمدافعة عن نفسها بوجه كلّ إعتداء خارجيّ بجيشها وقواها الذّاتيّة، والفاصلة بين الحقّ والباطل. دولة حياد ناشط في تعزيز لقاء الثقافات والحضارات والأديان وحوارها، وفي الدفاع عن حقوق الإنسان والشعوب لا سيما العربيّة منها. ودولة حياد ناشط تنأى بنفسها عن الدخول في أحلاف وصراعات وحروب إقليميّة ودوليّة. هذا الحياد الناشط هو المدخل الضامن إلى الوحدة الداخليّة وإلى الإستقرار والنهوض الإقتصاديّ والماليّ والإنمائيّ والإجتماعيّ”.
وقال متوجهاً للحريري: “تطلّع يا دولة الرئيس، مع فخامة رئيس الجمهوريّة بعين واحدة: إلى بيروت المدمّرة التي يجب إعادة إعمارها، وإلى نجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، مصير النفط والغاز وتأمين مردوده إلى خزينة الدولة؛ وإلى مواكبة المبادرة الفرنسيّة والإشراف على المساعدات والهبات الآتية من الدول الخارجيّة”.
وأشار إلى أنّه “أمّا الآن وقد انتهت استشارات التأليف، والمطالب إتّضحت، وحاجة البلاد معروفة، وحالة المنكوبين المأساويّة ضاغطة، وشروط الإنقاذ الدوليّ صريحة، فلا يبقى سوى العجلة في تشكيل الحكومة. والعجلة هذه المرّة من الله. فلا تخيّبوا مرّة أخرى آمال اللبنانيّين والمجتمع الدوليّ. لست أعني بالعجلة التشكيل كيفما تيسّر، وعلى قاعدة: “من مشى مشى، ومن لم يمشِ يبقى خارجًا”. لبنان ذو نظام ديمقراطي يتفاهم فيه الجميع موالون ومعارضون من أجل الخير العام”.