تُغدق الوعود على اللبنانيين من أن الحكومة المنتظرة ستشكّل بوابة الحل الموعود، بينما الحقيقة أن هذه التركيبة الحاكمة كانت سبب الإنهيار المالي والإقتصادي الذي شهدته البلاد، إذ إن رحلة جنون الدولار بدأت خلال حكومة الرئيس سعد الحريري التي سقطت بفعل ثورة 17 تشرين ولا يبدو أن هناك من شيء يُعيد الدولار إلى معدلات طبيعية حتى لو نجح الحريري في مهمة التأليف.
وعدا عن الضغط الدولي، فان الإقتصاد بات يُشكّل هاجس اللبنانيين، إذ إن المسؤولين الدوليين الذين يتعاطون في الشأن اللبناني أبلغوا قادة البلاد بأن لا مساعدات من دون إصلاحات، ولن يحظى لبنان بدعم صندوق النقد الدولي طالما أنه لم يلتزم بالشروط التي يطالب بها الصندوق.
وبات واضحاً أن هناك فصلاً بين المسارين السياسي والإقتصادي بالنسبة إلى المساعدات، فتأليف حكومة جديدة لا يعني أن مليارات الدولارات ستتدفق إلى لبنان، ولا يعني أيضاً أن الدعم الخليجي حاضر، وليس الزمن زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكل ما يُحكى عن مساعدات غير مشروطة لا أساس له من الصحة، بل إن الإصلاحات وتحرير الدولة من هيمنة “حزب الله” هي أساس أي مساعدة مرتقبة للبلاد.
وفي هذه الأثناء تتكثف الإتصالات المحلية والدولية من أجل تسهيل تأليف الحكومة، فواشنطن تريد حكومة سريعة لا يشارك فيها “حزب الله” وتباشر البرنامج الإصلاحي، وهي تضغط من أجل تحقيق هذه الأمور.
وتؤكد المعلومات أن باريس حاضرة في التفاصيل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتابع مجريات الأمور ويمارس ضغطاً كبيراً من أجل عدم عرقلة التأليف والسير بما يتناسب مع روحية المبادرة الفرنسية، وعدم العودة إلى منطق المحاصصة، إذ إن الفرنسي يتطلع إلى تحرير وزارات الطاقة والإتصالات والأشغال العامة ووزارات أخرى من قبضة السياسيين الذين أهدروا المال العام.
أما موسكو فتدعم مساعي الحريري في عملية التأليف وتؤيد حكومة موقتة، بالرغم من أن الروس يؤمنون أن حكومة التكنوقراط لا يمكنها تحقيق النجاح المطلوب، لكن لا يوجد “فيتو” روسي عليها على رغم إعتقادهم أن حكومة “تكنو – سياسية” هي الأفضل.
وفي المعلومات الخارجية أنه إذا نجح الحريري في التأليف ولم تحصل أي مفاجأة فان ذلك يأتي بسبب تفاهمات إقليمية ودولية حصلت وارتأت تأليف حكومة موقتة، لكن الأكيد حسب الأجواء الدولية أن هذه الحكومة ستكون لفترة معينة إلى حين تمرير الإنتخابات الأميركية ومجيء إدارة جديدة سواء إذا نجح الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أو فاز خصمه “الديموقراطي” جو بايدن، وتعتبر حكومة الحريري الحالية إن تألفت، حكومة إنتقالية بانتظار جلاء غبار التسويات الإقليمية واتّضاح مسار الأمور.
ويتفق القيمون على الوضع اللبناني في الخارج على أن الحكومة المرتقبة هي لتقطيع مرحلة وإن كانت حكومة تكنوقراط، إلا أنها لا تملك مفتاح الحلّ حتى لو حصلت شبه مداورة في الحقائب الأساسية باستثناء حقيبة المال التي حُسمت للشيعة، لكن الأساس يبقى في تطبيق البرنامج الإصلاحي.
في المحصلة فإن شبه الإتفاق الدولي الذي حصل حول تهدئة الأجواء اللبنانية ليس الحل المنتظر، بل إن الحل هو بحكومة تكنوقراط مستقلة تضع برنامجاً إصلاحياً، لأن الإستمرار في هدر الوقت وتأليف حكومات غير منتجة سيؤدي إلى مزيد من إرتفاع سعر الدولار وتوالي الإنهيارات الإقتصادية.