في العاشر من سبتمبر الماضي، انتقل الشاب “محمد.ع” الذي يقيم في مخيم بريف إدلب على الحدود السورية- التركية إلى منطقة عفرين بريف حلب، ووصل إلى معسكرٍ يتبع لفصيل “السلطان مراد” مع اثنين من رفاقه.
كانت هذه هي المحطة الأولى لهؤلاء السوريين، الذين قرروا الذهاب إلى أذربيجان لـ”حراسة القواعد التركية”، بعد أن عَرض عليهم أحد السماسرة (وسيط محلي) حسب وصفهم، والذي كانوا قد تواصلوا معه عبر تطبيق “واتساب”، قبل أيام من التجهيز للخروج.
يقول محمد، الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل، خوفاً من تعرضه لأية “مشاكل أمنية” في تصريحات لـ”موقع الحرة” إنه قضى يومين مع رفاقه في المعسكر، الذي كان يضم العشرات من المقاتلين المدججين بالسلاح، ليتم نقله بسيارات الفصيل المذكور (السلطان مراد) إلى منطقة أخرى تدعى “حوار كلس”، وهي بلدة قريبة مع الحدود مع تركيا في ريف حلب الشمالي.
وتعتبر هذه المنطقة مركزاً لتجمع المقاتلين السوريين، قبل نقلهم إلى الداخل التركي، ومن ثم إلى أذربيجان، من خلال طائرات عسكرية (يوشن).
يقول محمد إن العامل الرئيسي الذي دفعه للتفكير بالذهاب إلى أذربيجان هو “الفقر” وانعدام فرص العمل في الشمال السوري، الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية، حسب قوله.
ويوضح الشاب لــ”موقع الحرة” أنه تلقى عرضاً مالياً لقاء ذهابه إلى تلك الجبهة، بقيمة ألف دولار، على أن يعمل على حراسة القواعد التركية المتواجدة في المنطقة، بعيداً عن القتال على الجبهات بشكل مباشر، وهو الأمر الذي كان مغايراً للحقيقة، على أرض الواقع.
ومع احتدام المعارك بين أذربيجان وأرمينا في محيط إقليم ناغورنو قره باغ، تحدثت تقارير عدة عن وصول مقاتلين سوريين إلى المنطقة، للمشاركة في الحرب لصالح الجيش الأذربيجاني، وكان الأبرز فيها تلك التي نشرتها وكالة “رويترز” وصحيفة “الغارديان” البريطانية، وما أكده “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في تقارير عدة، رغم نفي أنقرة.
لكن وصول المقاتلين لم يكن أن يتم إلا بدعم من جانب أنقرة، التي تعد أراضيها جسر العبور من ريف حلب إلى منطقة القوقاز، كما أنها تعتبر رأس الحربة في ذلك، كما أن التسريبات والتأكيدات التي نشرت من المقاتلين الواصلين حديثاً بأنفسهم، والذين تحدث معهم “موقع الحرة” ومع أقرباء لهم، تؤكد هذه التقارير.
العبور من تركيا
وبعد وصول الشاب “محمد” إلى منطقة التجمع في بلدة “حوار كلس” نُقل مع أكثر من 150 مقاتلا بحافلات ركاب إلى مدينة أنطاكيا التركية، ومن مطارها نقلوا بطائرات “يوشن” إلى مدينة إسطنبول، ثم إلى العاصمة التركية أنقرة، والتي كانت المحطة الأخيرة في رحلتهم، قبل أن ينقلوا بطائرات عسكرية إلى العاصمة الأذربيجانية “باكو”.
ويقول محمد “وصلنا إلى العاصمة باكو، ثم نُقلنا بباصات إلى تخوم إقليم ناغورنو قره باغ”، مضيفا أن “تفاصيل العرض في هذه المرحلة تغير من فكرة حراسة النقاط التركية إلى المشاركة في القتال على الجبهات ضد الجيش الأرميني”.
ويضيف: “بعد وصولنا إلى تخوم الإقليم أقمنا في معسكر ليوم واحد، وفي اليوم الثاني سُحبنا إلى الجبهات للقتال”، مشيراً إلى أنه تمكن مع عدة مجموعات عسكرية من السيطرة على مساحات تبلغ بشكل يومي نحو أربعة كيلومترات مربعة.
ويقدّر الشاب في حديثه لـموقع “الحرة” أعداد المقاتلين السوريين في أذربيجان بنحو 1500 مقاتل.
وينحدر العناصر، حسب قوله من عدة فصائل تتبع لـ”الجيش الوطني”، أبرزها: “فرقة الحمزة”، و”السلطان مراد”، و”لواء سليمان شاه” الملقب بـ”العمشات” نسبة لقائده “محمد الجاسم أبو عمشة”.
وتتلقى الفصائل المذكورة دعماً عسكرياً ولوجستياً من تركيا، وتنشط في مناطق الشمال السوري، وخاصة في منطقة “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، بالإضافة إلى منطقة “نبع السلام” في شرق سورية.
وبحسب ما قال نشطاء محليون من ريف حلب في تصريحات لـموقع الحرة”، فإن خروج المقاتلين السوريين إلى أذربيجان يتم بتنسيق رئيسي من جانب الفصائل المذكورة، والتي عمدت مؤخراً إلى نشر وسطاء محليين يتبعون لها (سماسرة)، للترويج لفكرة القتال في إقليم “ناغورنو قره باغ”، لقاء الحصول على مبالغ مالية باهظة.
وكان سفير أرمينيا في موسكو قد قال في وقت سابق، من الشهر الماضي، إن تركيا أرسلت نحو 4000 مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان وهم يقاتلون هناك، وهو ما نفاه أحد مساعدي إلهام علييف رئيس أذربيجان.
وقالت أرمينيا أيضاً إن خبراء عسكريين أتراكاً يقاتلون إلى جانب أذربيجان في “ناغورنو قره باغ”، مشيرة أيضا إلى أن أنقرة قدمت طائرات مسيرة وطائرات حربية.
في المقابل، نفت أذربيجان صحة هذه التقارير، إذ قال حكمت حاجييف، مساعد رئيس أذربيجان لشؤون السياسة الخارجية، إن القول بأن مقاتلين سوريين يأتون لمساعدة بلاده هو “محض هراء”، وأضاف “قواتنا المسلحة لديها ما يكفي من الأفراد وقوات الاحتياط”.
كما نفت تركيا هذه الأنباء، إذ قال متحدث باسم وزارة الدفاع التركية إن دعم أنقرة يتمثل في المشورة العسكرية وتدريب القوات المسلحة الأذربيجانية، مضيفاً أن “وزارة الدفاع التركية لا تقوم بتجنيد مسلحين أو نقلهم إلى أي مكان في العالم”.