يومها فشلت محاولات “الثنائي الشيعي” بثنيه عن قرار الإستقالة، بعدما إعتبرها نوعًا من التهرّب من المسؤولية، وكذلك باءت مساعي “حزب الله” في التقريب بين رئيسي التيارين “الأزرق”و”البرتقالي”، وفضّل الوقوف على الحياد في مصالحة ليس له فيها مصلحة، على رغم إنحيازه تلقائيُا إلى جانب حليفه رئيس “التيار الوطني الحر”، “ظالمٍا كان أخوك أم مظلومًا”، مع إصراره وحليفه الدائم والطبيعي الرئيس نبيه بري على تقديم “لبن العصفور” الى الحريري في كل مرّة كان يحصل فراغ في سدة الرئاسة الثالثة.
ويسأل سائل ما الذي دفع بالرئيس الحريري إلى تغيير رأيه، مع العلم أن لا جديد طرأ على الساحة الداخلية يوجب هذه العودة. فالرئيس عون هو نفسه لم يتغيّر ولن يتغيّر، وكذلك النائب باسيل، الذي “تعفف” عن الدخول في الحكومة في بادىء الأمر، ثم عاد وغيّر رأيه بعد تدخّل من قِبل “حزب الله”، الذي رأى أن دخول باسيل عبر من يسمّيه قد يصلّب موقف الأكثرية النيابية داخل الحكومة، على رغم رفض الحريري ما يُسمّى بالثلث المعطّل، وذلك لأن شبح إسقاط حكومته بواسطة “الوزير الملك” يوم كان في البيت الابيض، لا يزال ماثلًا أمامه.
على الصعيد الداخلي لا شيء يدعو إلى تبرير عودة الحريري إلى الحكم في ظل “الرئيس الظل”، لأن المعطيات المحلية لا تشجّع على الإقدام على هكذا خطوة غير مضمونة النتائج، على أن يبقى الرأي الذي يقول إن ثمة مستجدات خارجية طرأت وأملت على الحريري العودة إلى الحكم في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان هذه الأيام، وبعدما فشلت كل المحاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلى درجة وصف رئيس الجمهورية الوضع السائد بـ”جهنم”.
ويُقال إن ثمة ضمانات قد تلقاها الحريري من الخارج، وبالتحديد من الفرنسيين والأميركيين، وهذا ما دفعه إلى تغيير رأيه و”التكويع” ١٨٠ درجة، وقد يكون باسيل قد تلقّى الإشارات نفسها، أو هذا ما أوحاه إليه به رئيس الجمهورية، الذي كان تلقّى إتصالًا من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عشية الإستشارات النيابية من دون أن تُعرف حقيقة طبيعة هذا الإتصال وما دار خلاله من أحاديث.
على أي حال، فإننا نريد أن نأكل عنبًا وليس قتل الناطور ما دامت القاعدة الذهبية في السياسة تقوم على أن لا صداقة تدوم ولا عداوة دائمة، إذ تبقى المصالح هي التي تسيّر الرجال وليست المواقف، التي يمكن أن تتغيّر من الأسود إلى الأبيض، والعكس صحيح ايضًا.
ولأن ثمة مصلحة مشتركة بين الرئيسين عون والحريري فإن الإجتماعات ستبقى قائمة بينهما حتى الخروج بصيغة لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم، وهكذا يكون رئيس تيار “المستقبل” قد بقي على مسافة محايدة من جميع الأطراف غير المعنية مباشرة بالتأليف، ومن بينهم باسيل، إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها على رغم إنطلاق مفاوضات ترسيم الحدود.