وفيما كانت بيروت تشهد أمس تَحَرُّكاً رمزياً قرب مقرّ السفارة الفرنسية احتجاجاً على الرسوم المسيئة لم يحمل الأبعادَ التي اكتسبتْها تظاهرةُ حزب التحرير – ولاية لبنان يوم الجمعة (جاءت من طرابلس) التي راوح التعاطي معها بين أنها في إطار تصفيةِ حساباتٍ تركيّة مع باريس في لبنان وأنها في سياق رسالةٍ دخل على خطّها حزب الله لتظهير تَبَدُّد وهْج المبادرة الفرنسية التي تشكّل الرافعةَ للحكومة العتيدة ومواصفاتِها التي سرعان ما غرقت في الرمال المتحركة اللبنانية، بدا أن 3 تشرين الثاني الأميركي بات بمثابة محطة يُنتظر أن يتبيّن بعدَها الخيْطُ الأبيض من الأسود» لجهة حقيقة الضوء البرتقالي الذي فرْملَ مهمةَ الرئيس المكلف سعد الحريري الذي كان يسعى لاستيلاد حكومته بسرعةٍ تعطي أوّل إشارةٍ لاستشعار القوى السياسية بخطرِ إضاعة المزيد من الوقت الذي لم يعُد لبنان المتهالك مالياً واقتصادياً وصحياً يملك ترفَ إهداره.
وإذ كانت الأوساط تستبعد أن يعمد الحريري أقلّه في الساعات القليلة المقبلة إلى حمْل مسودّة حكومية إلى عون على قاعدة تشكيلةٍ من 18 وزيراً يراها الأنسب وتضمّ اختصاصيين محسوبين عن بُعْدٍ على القوى السياسية وفق مناصفة طائفية تراعي المداورةَ في الحقائب (ما خلا المالية للمكوّن الشيعي)، رأتْ أنه أياً كانت نتائج الانتخابات الأميركية فإن انعكاساتِها اللبنانية تحتاج لما لا يقلّ عن 3 أشهر لتظهر، ما يجعل أرضيةَ شدّ الحبال على تخوم مسارِ التأليف محلّيةً أكثر منها خارجية وإن كان من الصعب واقعياً الفصل بين الأمريْن.
وفي رأي هذه الأوساط أن الحريري الذي دَخَلَ المخاطرةَ الكبرى الثانية في ولاية عون (الأولى كانت بالسير بانتخابه رئيساً العام 2016)، يخوضها ضمن ثوابت أبرزها أنه لا يمكنه إدارة الظهر للزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يكسر حضورُه في الحكومة طابعَ أن زعيم «المستقبل» يترأس حكومةَ حزب الله وحلفائه، وأنه لا يستطيع التسليمَ بأن يُمْسِك فريق عون بمثلث حقائب الأمن (الداخلية) والدفاع والعدل، علماً أن مجرّد خروج الداخلية من حصة الحريري سيجعل الأمن الشرعي في يد حلفاء حزب الله الذي يتحكّم بالأمن الاستراتيجي.
وعلى الخلفية نفسها ترى الأوساط أن زعيم المستقبل يحاول تَفادي جعْل التيار الحر ينال ثلثاً معطّلاً صافياً وهو ما يفسّر مسعاه لتكبير حصة المردة لتكون من وزيريْن في موازاة قطْع الطريق على تمثيل النائب طلال أرسلان درزياً (بحال رُفعتْ الحكومة من 18 الى 20 وزيراً)، وليس انتهاءً بالحساسية الكبرى التي تحوط أي زلّةٍ في تبادُل الحقائب الخدماتية يمكن أن تحيل وزارة الأشغال إلى حزب الله، وهي الحقيبة التي لا يمكن فصْلُها عن الأمن والتي تشكّل إلى جانب إشرافها على المرافئ والمطار، أحد مَنافذِ تدعيم سلاح الإشارة للحزب (شبكات الاتصال) بما يجعل العيْنَ الدوليةَ عليها حمراء لدرجة أنها تُعتبر إلى جانب الطاقة معيارَ القبول الدوليّ بالحكومة أو رفْع البطاقة الحمراء بوجهها.