‘حليمة رجعت لعادتها القديمة’… العراقيل تؤخر الحكومة

2 نوفمبر 2020
‘حليمة رجعت لعادتها القديمة’… العراقيل تؤخر الحكومة

لم يدم التفاؤل بتشكيل الحكومة طويلاً، فعلى الرغم من الكتمان المستمر، الذي اعتمده كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، الاّ أن العقد حالت دون ولادة الحكومة في عطلة نهاية الاسبوع، أو حتى قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومن هنا فان الحديث عن العقد يوحي بأن أي اتفاق لم ينجز حتى اليوم. 

عشرة أيام مرت على تكليف سعد الحريري تأليف الحكومة، كانت نتيجتها العودة إلى النقطة الصفر. العين مرة جديدة على جبران باسيل. الأيام الثلاثة الأخيرة لم تشهد أي تواصل بين رئاسة الجمهورية والرئيس المكلف. والواقع الراهن يشير إلى غياب أي وسيط داخلي أو خارجي يمكن أن يقوم بدور في تقريب وجهات النظر. في الداخل، لا تتوفر صفات الوسيط بأي طرف. وفي الخارج، لا يبدو الفرنسيون مستعدّين لزيادة الاهتمام بالوضع اللبناني بالنظر إلى الأوضاع في فرنسا، فيما يعتمد الأميركيون الحياد السلبي.

الاتصالات متوقفة
وكانت عجلة الاتصالات لتشكيل الحكومة تجمدت بعد الزخم الذي شهدته الاسبوع قبل الماضي، وساق كل طرف اسبابه وتعليلاته للتمسك بمواقفه وتحت عناوين كبيرة، مثل المداورة في الحقائب ورفض إعطاء الثلث الضامن لأي طرف، وميثاقية التمثيل، وبرنامج الحكومة الاصلاحي الاقتصادي والمالي والمعيشي، بينما الحقيقة كامنة في نقطة واحدة هي توزيع الحصص، ولو على حساب تسريع الحلول للأزمات التي يعيشها المواطن، وتراكمت وتضاعفت مع الوقت إنعكاساتها السلبية عليه.

وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر مطّلعة لـ”الأخبار”، أن التفاؤل كان محقّاً ومرتبطاً بالاتفاق على أغلب التفاصيل. حينها كان الاتفاق على توزيع الحقائب قد أنجز وبدأ النقاش بالأسماء. لكن ما طرأ في مسألة عدد الوزراء هو الذي أطاح الاتفاق. بعدما وافق رئيس الجمهورية على حكومة من ١٨ وزيراً، عاد وأصرّ على أن تتألف من عشرين وزيراً، بهدف توزير وزير درزي ثان ووزير كاثوليكي ثان. تلك خطوة، إضافة إلى كونها شكّلت مطلباً درزياً وكاثوليكياً، اعتبرت سعياً من باسيل للحصول على الثلث المعطل، فرفضها الحريري، بالرغم من إدراكه أن الثلث المعطل لا قيمة له في التوازنات الحالية التي تسمح لأي طرف بفرط عقد الحكومة، بصرف النظر عن حصوله على الثلث من عدمه.

في حكومة الـ ١٨ وزيراً، كان متوقعاً أن يحصل رئيس الجمهورية مع التيار الوطني الحر على ٦ وزراء بالحد الأقصى، على أن يذهب مقعد مسيحي إلى كل من الطاشناق والمردة والقومي. رفع العدد إلى ٢٠ وزيراً سيسمح بحصول التيار على مقعد أو اثنين، وبالتالي ضمان الثلث المعطل.

هذا الثلث هو ورقة باسيل الرابحة لمنع الحكومة من تخطّيه وإصدار قرارات قد تضرّه انتخابياً. لكن هذه العقدة أعادت فتح كل العقد السابقة. 

المداورة، التي كانت قد حسمت عادت إلى النقاش. هل تكون المداورة سياسية أم طائفية؟ إن كانت طائفية، فهذا يعني أن الداخلية ستذهب إلى الطائفة المسيحية، إلى جانب الدفاع. “المردة” كان يمنّي النفس بحقيبة وازنة، بوصفه الحزب المسيحي الوحيد الذي سمّى الحريري. وهو سبق أن طالب بحقيبتين أيضاً تكون إحداهما لشخصية شمالية أرثوذكسية تشكل تقاطعاً بينه وبين “القومي”. وفي المقابل، كان عون يسعى إلى أن يكون الوزير القومي من الحصة السنية، بالتوازي مع رفضه التخلي عن حقيبة الدفاع أو الداخلية لمصلحة المردة. عدم تخلّيه عنهما والإصرار على أن تضاف إليهما حقيبة العدل، تعنيان وضع الأمن والعسكر والقضاء في يد واحدة، وهو ما لا يبدو مقبولاً حتى اليوم. الحريري، وتحت ضغط “البيئة” عاد ليشير إلى أن الداخلية ليست محسومة للتيار، مع التداول بفكرة أن يكون وزير الداخلية مسيحياً، لكن من حصة “المستقبل”.

في المقابل، ثمة من يؤكد أن المشكلة الأساس هي حقيبة الطاقة، التي يريد التيار المحافظة عليها، بعدما سبق أن اتفق على أن تؤول إلى الطاشناق. الوصول إلى حل مشترك فشل سابقاً، بعدما رفضت كارول عياط، التي رُشّحت لتولي الحقيبة، لقاء باسيل، وبعدما رفض الحريري اسم بيار خوري الذي اقترحه رئيس التيار.

واذا كانت هذه بعض الوقائع المباشرة التي تكشف أسباب تعطيل مسار التأليف وإعلان ولادة الحكومة التي كانت متوقعة اليوم كما كشف رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ”النهار”، فان ثمة دلالات تبدو ابعد من مجرد خوض معركة محاصصة قسرية لجعل سعد الحريري يسلم بسقوط مشروعه الأصلي تماما القائم على تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وعندما يرفع الراية البيضاء لفارضي الشروط الانقلابية يكون قد انتحر سياسيا فعلا. هذا البعد كشفه مصدر سياسي بارز لـ”النهار” ويتمثل في اندفاع فريق رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر” الى الاستئثار بالحقائب الأمنية والقضائية الثلاثة أي الداخلية والدفاع والعدل على خلفية ان تأليف الحكومة الجديدة متى تعرض لتبديل المعايير التي يطرحها الرئيس الحريري من منطلق تحديد مهمتها زمنيا بستة اشهر كحكومة انقاذية فقط، فربما تكون حكومة ما تبقى من العهد أي لسنتين. وهو الامر الذي يقول المصدر انه جعل الفريق الرئاسي وتياره يحاولان تطويب الحقائب الثلاث لهما للشروع من الان في الإمساك بالأوراق الأساسية التي تتيحها لمصلحة “التيار” هذه الوزارات تحضيرا للانتخابات المقبلة. 

انتكاسة جديدة
ولاحظت مصادر سياسية لـ”اللواء” ان عنصر الوقت ليس لمصلحة الرئيس المكلف، ولا حتى التأليف بحد ذاته، مع متغيرات في الداخل والخارج، تحمل مؤشرات عن احتمال تصاعد العقد والمطالب وكأن “الدنيا بألف خير” نسجاً على منوال ما كان يحصل في الماضي، الامر الذي يضع الرئيس المكلف امام خيارات صعبة، ليس اقلها البقاء على موافقة او مزيد من تدوير الزوايا.
والسؤال الخطير: هل تعرضت الآلية التي اعتمدها الرئيس الحريري مع رئيس الجمهورية لانتكاسة؟ الثابت ان الاجتماعات الخمسة التي عقدت في بعبدا،كانت تحت عنوان “الشراكة في التأليف” وجهاً لوجه بين الرئيسين انفاذاً للنص الدستوري.
المعلومات تتحدث عن حرص بعبدا على اعادة وصل ما انقطع بين الحريري وباسيل، ولكن على صعيد التأليف، وقبل الحكومة وليس بعدها.. وربما هذا الامر، اثر سلباً على الاندفاعة باتجاه التأليف.
وتتحدث مصادر مطلعة ان زيارة النائب باسيل الى بعبدا غيرت مجرى التفاهمات، لجهة:

1 -التمسك بوزير لكل حقيبة مما يعني رفع، العدد الى 20 وزيراً.

2 – التمسك بحقيبة الطاقة، ورفض المرشحة لتوليها كارول عياط، وهي موظفة رفيعة في ادارة بنك عودة، كذلك يطالب النائب باسيل ببيتر خوري، المستشار الحالي في الوزارة للحلول مكان الوزير الحال ريمون غجر.

ويبرز فريق بعبدا تمسكه بالطاقة، بأن تمسك الشيعة بالمالية يعني بقاء الطاقة مع هذا الفريق.

3 – بالنسبة للوزارات السيادية، يتمسك باسيل بالداخلية للارثوذكسي نقولا الهبر، وهو مدير عام سابق في الوزارة، والتي يطالب بها النائب فرنجية.. مع العلم أن الدفاع حسمت لصالح الرئيس عون، وطرح اسم العميد المتقاعد فادي داود لتوليها، على ان يتولى الخارجية السفير مصطفى اديب، والا فالوزارة تُسند الى مدير عام الخارجية الحالي هاني شميطلي.

وبالنسبة للتمثيل الدرزي الثاني، فباسيل لا يرغب بأن ينحصر التمثيل الدرزي بالفريق الجنبلاطي، وسط مخاوف اكيدة لدى التيار الوطني الحر من العودة الى حلف رباعي، يضم الثنائي الشيعي، وجنبلاط وفرنجية، لمحاصرة باسيل وتياره، كما تردد مصادر قريبة من هذا الفريق.

واعتبرت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة أن تباطؤ الاتصالات بين المعنيين بعملية التشكيل، اي رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف بعد الاندفاعة التي حصلت في الايام الماضية والأجواءالإيجابية التي رافقتها، يؤشر إلى صعوبات او شروط ومطالب للاطراف السياسيين ،اما يصعب تحقيقها، او تتجاوز العناوين الاساسية لمضمون المبادرة الفرنسية التي قبل الرئيس الحريري تشكيل الحكومة العتيدة على اساسها،تعرقل انجاز التشكيلة وبالتالي بات الأمر يتطلب توسيع التشاور مع المعنيين لتخفيض سقف هذه المطالب،أو تبديد التباينات وصولا الى إعادة تسريع عملية تشكيل الحكومة،لان البلد بحاجة سريعة لحكومة جديدة تتولى مهمة ادارة السلطة بلبنان والاهتمام السريع بمطالب وحاجات المواطنين المعيشية. واشارت المصادر المذكورة الى انه وبالرغم من التكتم الشديد وعدم صدور اي مواقف علنية بخصوص مايجري، فإن مايسرب بشكل غير مباشر عن مطالب لهذا الطرف أو ذاك،يدل بوضوح على ان هنآك من يرفع سقف مطالبه في هذا الظرف بالذات، اما لتحسين شروطه، أو لوضع العصي بدواليب التاليف من خلالها لأسباب مرتبطة بمصالح اقليمية محضة لها علاقة بنتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة. وقالت المصادر إلى ان ماتردد عن شروط اومطالب طرحها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على الرئيس المكلف، من بينها الحصول على الثلث المعطل او وزارات سيادية وخدماتية وازنة ،قد يكون أحد الاسباب التي فرملت عملية التشكيل اذا صحت هذه المعلومات، في حين ان مطالبة اطراف اخرين بوزارات خدماتية أخرى تزيد من الصعوبات الموضوعة امام عربة تشكيل الحكومة. ويبقى الاهم كما تشير هذه المصادر هو مايروج سرا وعلنا بان عملية التشكيل قد رحلت الى بعد موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية وليس قبلها، وكل مايطرح ويروج من اسباب أخرى ومطالب وشروط لهذا الطرف أو ذاك هو للتغطية على السبب الاساس.

لكن مصادر اخرى استدركت ان هذه المعطيات لا تعني ان التأليف اصبح في خبر كان لا سيما إذا بذلت مساع من أكثر من طرف ومن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان قد أعلن أن ولادة الحكومة وشيكة ومسألة ايام. ولم يسجل في الساعات الماضية أي تواصل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.

وعلمت “اللواء” ان زيارة مرتقبة للرئيس المكلف الاربعاء الى بعبدا، وان التواصل لم ينقطع بين الرئيسين، ضمن اطار اكيد على انجاز تأليف الحكومة
وفي هذا الاطار، شددت مصادر سياسية لـ”نداء الوطن” على أنّ اللقاء المقبل بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون “من المفترض أن يؤسس إما لانفراج أو لانفجار في الوضع الحكومي”، لاحظت المصادر أنّ تأثير رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عاد ليطغى على مقاربة عون للاستحقاق الحكومي “بعدما بدا رئيس الجمهورية في بداية مشاورات التكليف والتأليف أنه تحرر نسبياً من هذا التأثير مدفوعاً بالحاجة إلى تشكيل حكومة قادرة على إنقاذ ما تبقى من عهده”، من دون أن تستبعد في الوقت عينه وجود “قبة باط” من جانب “حزب الله” لحلفائه في سبيل “تأخير ولادة الحكومة ربطاً باستحقاقات إقليمية ودولية”.
ما هي الخيارات اليوم؟ 
بحسب “الأخبار” واحد من الخيارات التي كانت مطروحة يوم الجمعة، وصرف الحريري النظر عنها، هي تقديم تشكيلة وزارية تضم أسماء وزانة ولا تكون مستفزة لأحد. خيار آخر يطرحه معنيون مفاده أن يتعامل الحريري مع الحصة المسيحية كما قيل إنه تعامل مع الحصة الشيعية، أي ألّا يتدخل في الأسماء، لكن الخيار الذي يمكن أن يعيد تحريك عجلة التأليف هو العودة إلى حكومة الـ ١٨ وزيراً.

بري: لا مشكلة لدينا
في غضون ذلك وفي ما يؤكد ضمنا دوران المأزق في دائرة التعقيد قال الرئيس بري لـ”النهار” ان لا مشكلة لديه في عدد أعضاء الحكومة سواء كان 18 او 20 موضحا ان هذه النقطة تعود للرئيس المكلف ورئيس الجمهورية . وأضاف: من جهتنا لا مشكلة عندنا على الاطلاق كنا ولا نزال في مقدم المستعجلين لتأليف الحكومة والتوصل الى التشكيلة اليوم على ابعد تقدير”. كما رفض بري أي ربط لتأليف الحكومة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري غدا الثلثاء .
صرخة الراعي
إزاء هذا المشهد، تساءل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في أعنف انتقاد لأركان السلطة الحاكمة: “بأي حق يعرقلون الحكومة الجديدة؟ ألا يخجلون؟ لا حمايةً للمبادئ الدستورية والثوابت الوطنية، بل تمسك بمحاصصتهم وبالحقائب الطائفية، فيما نصف الشعب اللبنانيّ لا يجد “حصّة” طعام ليأكل ويوضّب “حقائبه” ليهاجر. يا للجريمة بحقّ الوطن والمواطنين”، وأضاف: “فليوقف جميع الأطراف ضغوطهم على الرئيس المكلَّف، لكي يُبادر بالتعاون مع رئيسِ الجمهورية إلى إعلان حكومة بمستوى التحديات… لكنَّ ما رَشَح عن نوعية الحكومة العتيدة لا يُشير إلى الاطمئنان”.