لكن ما هي العقبات والعقد والعراقيل التي اعترضت الولادة المفترضة للحكومة، وما هي التداعيات في حال التأخّر في تأليفها، سياسياً وإقتصادياً وأمنياً وإجتماعياً، وهل أنّ الفترة الزمنية للتأليف ستطول أم ستقصر، وما هي المخارج الممكنة لولادة الحكومة، وما حجم التأثير الخارجي على تأليف الحكومة؟
هذه الأسئلة وغيرها لا أجوبة شافية عنها بعد، لكن ثمّة تطوّرات برزت في الأيام القليلة الماضية، أعطت بعض الوضوح عن مصير الحكومة، من أبرزها:
أولاً: ما يزال الموقف السعودي من عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة ملتبساً وغير مشجع أو متحفّظ. فبعدما نشرت جريدة “المدينة” السعودية يوم الجمعة الماضي مقالاً رأت فيه أنّ “المرحلة تتطلب وجود الحريري، ولا غيره، على رأس الحكومة المقبلة، بالنّظر إلى تمتعه بعلاقات دولية واسعة وثقة لدى المؤسسات الدولية والدول ذات الثقل الإقتصادي، وعلى رأس أولئك روسيا والولايات المتحدة”، سارعت الجريدة إلى سحب المقال عن موقعها الإلكتروني، بعدما جرى تأويله على أنّه تعبير عن رضى سعودي عن الحريري، لكن سحبه أبطل هذا التأويل، وأعطى تفسيرات أنّ أزمة المملكة مع الحريري، المستمرة منذ عام 2017 حين احتجازه فيها، ما تزال قائمة.
ثانياً: تمثل العقدة الدرزية الناشئة عقبة أساسية أمام ولادة الحكومة، بعدما تراجع الحريري مساء الخميس الماضي عن قبوله بحكومة من 20 وزيراً إلى تمسكه بحكومة من 18 وزيراً، لأنّ ذلك يعني إعطاء حقيبة واحدة للدروز ستكون حكماً من نصيب النائب السابق وليد جنبلاط، وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية ميشال عون لاعتبارات ميثاقية، ويتمسك بحكومة من 20 وزيراً تعطي الدروز حقيبتين، تكون الثانية من نصيب حليفه النائب طلال إرسلان، وهو ما رفضه الحريري.
ثالثاً: أثارت عملية المداورة في الحقائب الوزارية إعتراضاً لدى تيار المستقبل وحلفائه، لأنها ستفضي لإعطاء رئيس الجمهورية حقائب الدفاع والعدل فضلاً عن الداخلية التي سيتخلى عنها الحريري لمصلحة حصوله على الخارجية، على خلفية أنّ تسليم الملف الأمني ـ القضائي إلى جهة واحدة، وسط أجواء متشنجة سياسياً، غير مقبول.
رابعاً: أعطى تقرير صندوق النقد الدولي مؤخراً صورة قاتمة عن الواقع الإقتصادي في لبنان، وأنّ حجم الناتج المحلّي اللبناني قد تراجع من 52.5 مليار دولار في العام الماضي، إلى نحو 18.7 مليار دولار هذا العام، أيّ أن لبنان خسر ثلثي إقتصاده في عام واحد، وهو واقع لم يُقدّم الحريري رؤية حول كيفية معالجته، في ظل عدم إبداء الدول المانحة أي إشارة بدعمه، ومساعدة لبنان على الخروج من أزمته.
خامساً: يدور صراع خفي حول سعي القوى الرئيسية وحلفائها للحصول على الثلث المعطّل في الحكومة. إذ يرجّح كثيرون أن تكون هذه الحكومة هي آخر حكومة خلال عهد عون، الذي دخل السّنة الخامسة على انتخابه، وهو يريد بالتالي تأمين نجاح هذه الحكومة عبر سيطرته عليها بحصوله على الثلث المعطّل، حتى لا يكون الثلث الأخير من عهده “رهينة” لحكومة لا يملك قرارها، أو أن تشكل مدخلاً لكسر الوزير جبران باسيل، لأن ذلك برأيه خطّاً أحمر يدفعه لرفض التوقيع على حكومة لا ترضي صهره، فضلاً عن أنّ هذه الحكومة ستشرف على المرحلة الإنتقالية بعد انتهاء ولايته، في حال حصلت إنتخابات رئاسية أو حصل فراغ رئاسي، وفي الحالتين لن يرضى عون أن يكشف عهده وصهره وتياره البرتقالي أمام خصومهم.