الرواتب لا تكفي والحمص مثل الكافيار.. ‘روداج’ في الطريق إلى جهنّم

3 نوفمبر 2020
الرواتب لا تكفي والحمص مثل الكافيار.. ‘روداج’ في الطريق إلى جهنّم

كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار” تحت عنوان “عام الانهيار والذلّ: “روداج” في الطريق إلى جهنّم”: “في أرض صغيرة، حفرة كبيرة فيها “غالوناتط حديدية، يأكلها الصدأ، معبّأة بالبنزين. محمية بالتراب كي لا تشعل حريقاً، لكنها لا تخرج من مكانها إلا حين يؤمَّن البديل منها. على طريق بيروت دمشق، سيارة تاكسي تستقلّها عائلة وجهتها السفارة الأسترالية في دمشق، يقصدها لبنانيون مع كل المشقات والوقوف في الصف منذ ساعات الليل للحصول على الفيزا. مشهد مماثل للواقفين فجراً في الصف أمام الأفران. أزمة مازوت تهدد المصانع والمستشفيات. “بداعي السفر” إعلانات مبوّبة عن سيارات وشقق وأراض للبيع، وإرجاء حفلات الزفاف، ودعوات للتبرع بالمساعدات الغذائية، وإقفال شركات غربية مكاتبها في بيروت، وبدء العروضات لشقق في باريس، قبل أن تصبح قبرص الوجهة. إنها بيروت عام 1975 وما بعدها في الحرب الأهلية.

غالونات بنزين بلاستيكية، طالبو الهجرة يقفون أمام السفارات، كما على محطات الوقود، إعلانات البيع صارت أونلاين، لبنان يشحذ المساعدات. إنها بيروت عام 2020، المأساة واحدة منذ 45 عاماً، وإن كانت الحياة حينها أفضل من اليوم في كثير من الأوجه، بعدما أضيف انهيار الليرة، وانقطاع الكهرباء والمياه الملوّثة والنفايات والأموال المسروقة وسنوات الهدر والفساد.
بعد الحربين العالمية الأولى والثانية، درست مراكز الأبحاث والجامعات المتغيّرات الاجتماعية والسلوكيات التي استجدّت أو غابت. كُتب الكثير عن انهيار الطبقات الاجتماعية، ونمو طبقة أثرياء الحرب والسوق السوداء، تغير العادات الغذائية والحياتية، العلاقات الجنسية والعائلية، وسوق العمل المتعثّر، والمقاهي ونوعية ورق السجائر، الأغاني التي عكست بكلماتها السوداوية التي خرجت منها دول من الحرب. في لبنان، توازي السنة الراهنة ما عاشته هذه الدول، في كثافة المتغيّرات التي أطاحت بأسلوب حياة اللبنانيين وأموالهم وتحتاج إلى دراسة كل تفاصيلها.

ماذا تغير من أحوال اللبنانيين منذ ارتفاع سعر الدولار حتى اليوم؟ ببساطة كل شيء. تتغير عادات اللبنانيين الغذائية: وضع الأسعار المرتفعة في جدول علمي، لا يعكس مأساة الذين باتوا غير قادرين على تأمين اللحوم والدجاج والأسماك والألبان والأجبان والفاكهة. يبتعد لبنانيون عن المستورَد، مرغمين بخلاف نظريات بعض السياسيين المنظّرين للبضائع المحلية والمعروفين لدى محالّ الاستيراد الفخمة. تقول مهندسة راتبها كان مرتفعاً نسبياً، إنها شعرت بالعجز حين انتفى حقها في اختيار الجبنة الأوروبية أو اللحوم المبرّدة المستوردة أو الشوكولا. حكاياتنا الشعبية عن أطايب السهرات الشتوية يجب أن تتغير ومعها فخر اللبنانيين بمأكولاتهم، لأن الحمص بطحينة غداً سيصبح كالكافيار سابقاً مع ارتفاع سعر السمسم أو انقطاعه. أغنية فيروز عن جدتها “وزبيب وجوز تخبيلي” لم تعد تماشي ما قرّره حاكم مصرف لبنان، وأسعار الصنوبر واللوز والجوز والمكسّرات والمطيّبات أطاحت بمستلزمات البربارة والميلاد والفطر والأضحى وباقي الأعياد. قديماً كانت صناعة «القورمة» احتيالاً على الفقر لتخزين اللحوم المطبوخة لكل فصول السنة. اليوم تخزن سيدة منه، لأن شراء اللحوم الجيدة والمضمونة قد لا يبقى متاحاً في الأشهر المقبلة لعائلة من أربعة أشخاص يعمل الأب وحده فيها. لم نشهد ذلك في الحرب إلا في مرحلة انخفاض قيمة الليرة في الثمانينيات والمعارك القاسية. ستجد حالياً موظفاً حوّل هواية صيد السمك والعصافير إلى تجارة تكفيه وعائلته لأسبوع إلى جانب راتبه”. لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.