كما تمّ التفاهم على توزيع معظم الحقائب، السيادية وغير السيادية، لتترك مسألة اسقاط الأسماء على الوزارات الـ 18 للساعات المقبلة، مع العلم أنّ شوطاً كبيراً من مسار تبادل الترشيحات، قد قطعه المعنيون. ولذا من المتوقع ألّا يتأخر توجّه الحريري إلى قصر بعبدا متأبطاً مسوّدته الحكومية لإصدار مراسيمها.
وفق ما يتمّ تداوله حول مضامين التشكيلة الجديدة، فقد تبيّن أنّ قاعدة المداورة لم تحطّ إلا في وزارتيّ الخارجية والداخلية، حيث ستسند الأولى لوزير يسميه رئيس الحكومة فيما سيتولى رئيس الجمهورية تسمية وزير الداخلية أسوة بوزارة الدفاع، على أن تؤول وزارة الصحة إلى “تيار المستقبل” فيما تبقى وزارة الطاقة في أحضان “التيار الوطني الحر”، على أن يتولى “الحزب التقدمي الاشتراكي” حقيبة التربية، فيما يتولى “تيار المردة” تسمية وزير الاتصالات أو وزارة الأشغال اذا لم يحصل عليها “حزب الله”… مع العلم أنّ كل هذا السيناريو قد يعاد النظر به اذا ما عرقل أحد الأطراف مسار التأليف.
ولكن بعيداً من صراع العدد والحقائب والأسماء، شهدت مشاورات التأليف خلافاً خفياً حول أجندة هذه الحكومة وجدول أعمالها. رئيس الحكومة المكلف سارع قبيل تسميته إلى الإشارة إلى أنّ مهمة حكومته ستكون محدودة ومحصورة بدفتر الشروط الذي وضعته المبادرة الفرنسية، وبذلك الذي يريده صندوق النقد الدولي لفتح باب المساعدات أمام الدولة المفلسة والمنهارة نقدياً ومالياً واقتصادياً.
في هذا السياق يشير العونيون إلى أنّ رئيس الجمهورية طرح منذ اللقاء الأول على رئيس الحكومة المكلف مندرجات المبادرة الفرنسية ليعرف حقيقة موقفه منها، وقد خرج الحريري ليؤكد أمام الرأي العام أنه ملتزم السلة الاصلاحية التي تنصّ عليها الورقة الفرنسية. لكن التنقيب في عمق المشاورات التي كانت تجرى خلال الأيام الماضية حيث احتلت مهمة الحكومة جانباً أساسياً من هذه المحادثات، بيّن أنّ هناك هوة كبيرة بين القوى الحكومية حيال رأيها وموقفها من هذه الاصلاحات.
ويؤكد عونيون أنّ ما يحكى عن تبنٍ لكامل الورقة الفرنسية من مختلف الأطراف فيه شيء من المبالغة، لأنّ الوقائع تثبت غير ذلك، الأمر الذي يثير القلق والخشية مما ينتظر الحكومة في المرحلة المقبلة، خصوصاً اذا عجزت عن تنفيذ الأجندة الاصلاحية وهو سيناريو متوقع وغير مستبعد، في ضوء الخلافات الحاصلة بين المكونات الحكومية حيال العديد من بنود الورقة الفرنسية كما توصيات صندوق النقد الدولي، التي صارت معروفة والتي هي معبر إلزامي لفتح باب الدعم أمام لبنان.
ويشيرون إلى أنّ الخلافات المكتومة إلى الآن، تتناول بشكل خاص التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، خصوصاً أنّ للثنائي الشيعي الكثير من الملاحظات على هذا المسار، كما أنّ “حزب الله” يعارض بشكل حاسم أي ضريبة على القيمة المضافة والمسّ بالقطاع العام وتحرير سعر الصرف وإلغاء الدعم عن القطاعات الأساسية، وهذه الأخيرة كلها شروط يفرضها صندوق النقد الدولي، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى أموال “سيدر” اذا لم يتمكن لبنان من الحصول على ختم الصندوق، ودون ذلك عراقيل كثيرة.
وفق المواكبين، فإنّ هذه النقاط كانت موضع خلاف أساسي بين القوى الحكومية، ولكن يبدو أنّ تفاهماً حصل على ترحيل “الإشكالات” إلى ما بعد ولادة الحكومة لأنّ وجودها أهم بكثير من الشغور الحاصل، رغم التعقيدات التي لا تزال تعترض مهمتها الانقاذية. ويلفتون إلى أنّ التطورات تشير إلى ما يشبه التفاهم على التخفيف من حدّة الخلافات خلال هذه المرحلة للحؤول دون نقلها إلى البيان الوزاري حيث ينتظر أن تتم صياغته على الطريقة اللبنانية، بمعنى تدوير الزوايا والاكتفاء بالعناوين العريضة من دون الغوص في التفاصيل الخلافية، على أن تترك النقاشات الجدية لطاولة مجلس الوزراء.