لبنان انتهى إلّا كمجاورٍ لإسرائيل.. متروك حتى الاستسلام

الأزمة اللبنانية ترتبط بالتحولات الكبرى العاصفة في منطقة الشرق الأوسط

4 نوفمبر 2020
لبنان انتهى إلّا كمجاورٍ لإسرائيل.. متروك حتى الاستسلام
منير الربيع
منير الربيع
في ظل التطورات الدولية والإقليمية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات، ثمة قراءة جدّية تفيد أن الموقف الدولي لن يتأثر كثيراً بفعل انهيار لبنان وتحلل مؤسساته.

تحلل.. ولا ثورة

وها هو لبنان يفقد اليوم، في وضعيته القائمة، أي حاضنة عربية ودولية في هذه المرحلة.
لقد أصبح عارياً، غير قادر على العودة إلى الوراء، ولا التقدم للتماهي مع الحواضن العربية والدولية المستجدة.

لذا، لا بد للقوى السياسية اللبنانية من أن تتحضر لمتغيرات جذرية كبيرة، بعدما لم تعد قادرة على الاستمرار في إعالة جماعاتها. ومثل هذا التحول والتحلل لن تنجم عنهما ثورة أو انتفاضة.

وفي ظل استمرار غياب الاهتمام الدولي بلبنان، أصبح من الواضح أن المزيد من الانهيارات مقبلة على البلاد. والتشابه بين لبنان وسوريا مقبل أيضاً، بمعزل عن الانتخابات الأميركية ونتائجها. وعن تشكيل الحكومة هنا، والانتخابات الرئاسية السورية هناك.

مشكلات عابرة
لا، ليست المفاوضات الدائرة على تشكيل الحكومة، ووصفها بأنها حكومة اختصاصيين وصاحبة برنامج إصلاحي ينطلق من الالتزام بشروط صندوق النقد الدولي، وصفة سحرية لإيجاد حلول للازمة اللبنانية.

وهي أزمة لا ترتبط بأزمة القطاع المصرفي، وليست أزمة سياسية ترتبط بحزب الله وسلاحه وترسيم الحدود والاستراتيجية الدفاعية فقط، رغم أن هذه العناوين أساسية للمرحلة المقبلة.

والمشكلة لم تعد محصورة أيضاً بوزارة الطاقة.

فقد يُتفق بأن تؤول إلى حزب الطاشناق مثلاً، فيرضى بذلك رئيس الجمهورية وتيار المستقبل.

وليست المشكلة كذلك بحصول حزب الله على وزارة الصحة أو عدم حصوله عليها.

على حدود أسرائيل
الأزمة اللبنانية ترتبط بالتحولات الكبرى العاصفة في منطقة الشرق الأوسط. فالاستراتيجية الأميركية هدفها أخذ روسيا وإيران وكل دول المنطقة تحت جناحها، لضمان أمن إسرائيل ومواجهة الصين.

في هذه المعادلة، لبنان تفصيل. وأهميته أساسية بسبب حدوده مع إسرائيل. لهذا فقط يُحسب للبنان حساب في السياسات الدولية.

أما أمجاد الماضي اللبناني كلها: صلة الوصل بين الشرق والغرب، المرفأ والمطار والسياحة والاصطياف، والمنفتح على العالم، ومعبر الترانزيت، والمصرف المتميز بالسرية المصرفية، ومستقطب أموال اللاجئين أو الهاربين من أنظمة التأميم.. سقطت وأُسدلت عليها الستارة.

ويُراد اليوم للبنان أن يكتسب تعريفه وصورته ودوره من جواره لإسرائيل وموقعه على حدودها. وهذا فيما هو لن يتمكن من تأمين المأكل والملبس، إلا بناء على علاقة حسن الجوار مع إسرائيل.

انكفاء حزب الله
هذه قراءة باتت تعرفها القوى السياسية اللبنانية.

لذا، ليس من مصلحة أي منها – خصوصاً حزب الله – ترك الأمور مفتوحة على الانهيارات.

فهو سيكون في هذه الحال أحد أكبر المتضررين.

لذا اتبع منذ مدة سياسة التهدئة مع كل القوى، بحثاً عن إعادة لملمتها وجمعها.

حزب الله غير قادر على الاستمرار وحيداً. وهذا على خلاف القاعدة التي رفعها نصر الله سابقاً: إذا انهارت مؤسسات الدولة، فحزب الله يظل قادراً على الصمود وحده ولن ينهار.

تلك المعادلة أثبتت عدم جديتها وفشلها استراتيجياً.

فحزب الله بحاجة إلى كل القوى اليوم، وإلى الدولة اللبنانية التي تمنحه الغطاء.

الظروف الراهنة تحرمه من التغريد منفرداً.

وتلزمه البحث عن مزيد من التسويات ولملمة الخلافات، لئلا تتعرض البلاد للمزيد من الانهيارات والانفجارات في وجهه.

نموذج جديد غامض
بمعزل عن تشكيل الحكومة، لا زال لبنان خارج مدارات الاهتمام الدولي استراتيجياً.

وأي مساعدة ستقدمها الدول للبنان، لا بد أن يكون لها مقابل ما، في القضاء أو الكهرباء أو الوضع السياسي والاقتصادي، وفي مراكز القرار والسلطة الرئيسية.

وحتى المؤسسات التعليمية، والقطاع المصرفي، والنظام الاقتصادي معرضين للانهيار.

ومن المفترض أن يولد نموذج جديد مجهول الملامح حتى الساعة.

وهذا التداعي أو التحلل اللبناني، ربما يمثل حاجة دولية للتعاطي مع القوى السياسية التي أتعبت الجميع وأقلقتهم.

أي مساعدات ستكون بحاجة إلى ماكينة جديدة، تتلائم مع مرحلة التحول التي تعيشها المنطقة.

لا يمكن للوضع الراهن أن يتغير، وتعمل الماكينة الجديدة المفترضة، إلا على صفيح ساخن، بفعل المزيد من الانهيارات الكفيلة وحدها بفرض المتغيرات الأساسية.

ففي حال بروز رفض داخلي للخصخصة مثلاً، ستترك المؤسسات لمصيرها من الانهيار والتحلل، لتصبح الخصخصة رجاء للجميع.

وإزاء هذه الحال تصبح القوى السياسية أمام خيار وحيد: قبول كل ما يفرضه الخارج.

قبل تفجير مرفأ بيروت، كان يستحيل تخيل فكرة وجود قوات دولية، أو محققين دوليين على الأراضي اللبنانية.

لكن بعد التفجير كان ما حصل أشبه بأعجوبة. ولا بد من القياس على مثل هذه الأعاجيب.

عدا ذلك، كل اتكال على تطور داخلي مجرد مضيعة للوقت.