وعلى أهمية هذه الحكومة بكونها الاحتمال الوحيد المتوفر لاقرار سلّة الإصلاحات المطلوبة من الخارج، لتأمين الحدّ الأدنى من الدعم الذي قد يحول دون حصول الانفجار الكبير، فقد سرق جبران باسيل الأنظار من أمام اللقاء المؤجل منذ أيام بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والهادف الى إعادة إحياء مشاورات التأليف. حلّت “مصيبة” العقوبات على رأس وزير الخارجية السابق، بكل ما تحمله من تداعيات ونتائج قصيرة، وبعيدة المدى.
يجزم المعنيون أنّ باسيل أُبلِغ رسمياً بالخبر بواسطة مسؤولين أميركيين منذ أكثر من عشرة أيام، وقد انصرف خلال الفترة الأخيرة إلى البحث والتفكير في كيفية التعامل مع الوقائع الجديدة. حتى أنّه فاتح “حزب الله” بهذه المستجدات وبكل السيناريوات المتوقعة من بعدها. المسألة لم تعد مجرّد ورقة يهول بها الأميركيون أو من يدورون في فلكهم من اللبنانيين، لا بل صارت حقيقة دامغة. رئيس أكبر حزب مسيحي والمرشح المفترض الأول لرئاسة الجمهورية في استحقاق 2022، على لائحة العقوبات.
جهد العونيون وهم يحاولون غسل أيديهم من اتهامات الفساد التي ألبسهم اياها الحراك الشعبي تحت “شعار كلن يعني كلن”، ولم يعفهم منها خصومهم نتيجة تمسك “التيار” بحقيبة الطاقة بكل ما تحوي من دهاليز تعرفها الطبقة السياسية، “زاروب زاروب”، وها هو وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين يقول بالفم الملآن: “لقد ساعد الفساد الممنهج في النظام السياسي اللبناني الذي مثّله باسيل على تقويض أسس حكومة فعالة تخدم الشعب اللبناني. هذا التصنيف يوضح كذلك أن الولايات المتحدة تدعم الشعب اللبناني في دعواته المستمرة للإصلاح والمساءلة”. كما لم يتوان وزير الخارجية مايك بومبيو عن وصف باسيل بالوزير “الفاسد الذي أساء استخدام مناصبه الحكومية”. وهذا ما يعني نسف وهدم كل الاستراتيجية العونية الاصلاحية، أقلّه من جهة خصومه الذين عملوا طوال هذه المدة على تجويف هذا الخطاب لا سيما أمام الجمهور المسيحي، ولو أنّهم ليسوا من صنف الملائكة ولا أقل تعرضاً للانتقادات والاتهامات بالفساد.
بالنتيجة، ستكون هذه المحطة في تاريخ جبران باسيل مفصلية، وهو الذي بات ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة، وسيكون “التيار الوطني الحر” أمام تحدي مواجهة هذا الواقع بكل صعوباته. ولكن إلى أي مدى قد تتأثر الحكومة بهذا المعطى الجديد؟
الأكيد أنّ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري كان على علم مسبق بالأخبار القادمة من الولايات المتحدة، لكنه يدرك جيداً أنّ استثمار هذا العامل لن يؤدي إلّا لمزيد من التشدد، وهذا ليس في مصلحة أحد. لا العهد ولا باسيل يملكان ترف الوقت لتوظيف العقوبات لدى حليفهما، أي “حزب الله” من خلال الدفع إلى تحسين موقع “التيار” وإلى مزيد من الحصص الحكومية. ولا حتى رئيس الحكومة المكلف مرتاح على وضعه، وإن كان أقل مأزومية من غيره، لكنه بالنتيجة يريد العودة إلى السراي اليوم قبل الغد. قبل لقاء بعبدا، كانت الاتصالات ما زالت متوقفة أو بالأحرى معلقة، بعدما اصطدمت محاولات الرئيس المكلف بحواجز عديدة، خصوصاً في ما يتصل بالتخلي عن وزارة الداخلية انفاذاً لقاعدة المداورة، والتي أراد من خلالها اخراج حقيبة الطاقة من تحت سطوة “التيار الوطني الحر”. أكثر من فريق وجّه الانتقادات إلى الحريري، بكونه بدأ مفاوضاته مع رئيس الجمهورية “من تحت” واضعاً أقوى أوراقه، أي “أم الوزارات”، على الطاولة، فسارع رئيس الجمهورية إلى التقاط الفرصة، ولكن من دون تقديم أي تنازل. وفق المتابعين، كانت الخيارات المتاحة أمام رئيس الحكومة المكلف محدودة: إما ان يعود إلى نقطة الصفر أي بعد استعادة حقيبة الداخلية نتيجة تعرضه لحملة متنوعة الأضلاع في الشارع السني، لكونه تخلى عن “مبنى الصنائع”، وهذا يعني نسف كل ما تمّ الاتفاق عليه. وإما استكمال المشاورات من حيث توقفت، ما يعني التخلي نهائياً عن الداخلية ولكن من دون الحصول على حقيبة الطاقة، وبالتالي ضرب الهدف المرجو من قاعدة المداورة. وفي كلا الحالتين، يُفهم أنّ مشاورات التأليف لا تزال في بدايتها.