وفي حين كانت القوى الأمنية والوزارات المعنية تضع اللمسات الأخيرة على كيفية جعْل فترة الإغلاق التام ناجحةً على مستوييْ فرْض الالتزامِ بالإقفال على القطاعات المشمولة وبحظْر تجوّلِ الـ12 ساعة يومياً كما زيادة جهوزية المستشفيات وتوسيع قدراتها على استقبال حالات الموجة الثانية المرتقبة، انشدّت الأنظارُ بالتوازي إلى الجولة الرابعة من مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية ورعايةٍ أممية، فيما كان مسارُ تأليفِ الحكومة يتلقّى تشظياتِ التباعُد السياسي الذي تَعَمَّق بين الرئيس المكلف سعد الحريري وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون بعد العقوبات الأميركية على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والتي لم يكن ممكناً فصْل «إعادة الوصْل» الرسمي مع النظام السوري لمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين في دمشق عن ارتداداتها التي تتخذ شكل «هجومٍ دفاعي» على أكثر من محور من الائتلاف الحاكم (يقوده حزب الله – التيار الحر).
وفيما كان الترقب أمس لما إذا كانت اندفاعة العقوبات الأميركية والتي يُنتظر أن تشهد فصولاً جديدة في الفترة الفاصلة عن تسلُّم جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة (20 يناير) ستترك تأثيراتٍ على ملف الترسيم، فإنّ أوساطاً مراقبة اعتبرتْ أن «منازلة السقوف» كانت بدأتْ قبل الانتخابات الأميركية حين باغت الوفد اللبناني الجانبَ الإسرائيلي مطالباً استناداً إلى اتفاقات دولية وقانون البحار بمساحة تبلغ حوالي 2290 كيلومتراً مربّعاً وليس فقط منطقة الـ860 كيلومتراً مربّعاً المتنازَع عليها، وهو ما يجعل الخط اللبناني الجديد يمرّ بحقل «كاريش».
ولم تتأخّر تل أبيب في «ردّ التحية بمثلها» إذ قدّمت الخط 310 الذي يصل إلى مشارف صيدا، ويشمل المطالبة بأجزاء من البلوكات رقم 9 و10 وبلوك رقم 8 كاملاً وجزء من البلوك 5 من المنطقة الاقتصادية الخاصة للبنان بحيث تصبح مساحة التفاوض حوالي 5000 كيلومتر مربّع، وهذا ما جَعَلَ الوفد اللبناني يلمّح إلى إمكان مقارعة الاستفزاز بما هو أكثر منه عبر اعتماد خط يصل إلى المنطقة المواجهة لـحيفا وبما يضمّ حقل «تنين» وجزءا من حقلَيْ «تمار» و«ليفيتان».
وإذ ساد التكتم الشديد مداولات يوم أمس التي استمرّت لأكثر من خمس ساعات، أشار بيان مشترك أميركي – أممي إلى «أن ممثلين عن حكومتي إسرائيل ولبنان أجروا محادثات مثمرة حول ترسيم الحدود البحرية، وما زلنا نأمل أن تؤدي المفاوضات إلى حل طال انتظاره»، لافتاً الى أن «الجانبين اتفقا على مواصلة المفاوضات في أوائل ديسمبر».
وفي موازاة هذا العنوان الشائك الذي يجلس في المَقاعد الخلفية لإدارته «حزب الله» ومن خلفه إيران والذي يصعب فصْلُه عن خطوط التوتر أو التبريد وتَبادُل الرسائل الإقليمية في المنطقة التي تعيش «حبْسَ أنفاس» تَحَسُّباً لـ«آخِر رَمْيات» دونالد ترامب وخصوصاً في المواجهة مع طهران، بدا الملف الحكومي أسيرَ التعقيدات المستعادة في ضوء المعاني «العميقة» للعقوباتِ على باسيل بما يمثّله في اللعبة الداخلية وتوازناتها بتحالفه الراسخ مع «حزب الله» الذي لاقى أمينه العام السيد حسن نصر الله مساء أمس المرحلةَ الجديدة التي عبّر عنها استهداف حلفائه «الواحد تلو الآخر» وآخرهم رئيس «التيار الحر» (بقانون ماغنيتسكي) بسقفٍ زاوَج بين التروي والتشدد مع تشكيل «خيمةٍ» لباسيل بما عَكَس المنعطف الجديد الذي دَخَلَه لبنان.
وساد الترقب أمس لِما قد تحمله زيارة المسؤول الفرنسي باتريك دوريل لبيروت حيث سيلتقي في اليومين المقبلين مختلف رؤساء الكتل الذين كانوا تعهّدوا أمام الرئيس ايمانويل ماكرون قبل أكثر من شهرين بتسهيل تشكيل حكومة مهمة إصلاحية من اختصاصيين مستقلين تعمل على تطبيق بنود الورقة الفرنسية المجدْولة زمنياً بما يفتح الباب أمام المساعدات الدولية للبنان بدءاً من مؤتمر الدعم الاقتصادي المفترض الشهر المقبل.
ورغم أن دوريل سينصح اللبنانيين بالفصل بين مساريْ العقوبات الأميركية وتأليف الحكومة «لأن الوقت نفَدَ»، إلا أن شكوكاً كبيرة تحوط إمكان نجاح المسعى الفرنسي الجديد في ضوء تَصَلُّب المواقف الداخلية وعودة الشروط الحافظة للحصص لتعوق مهمة الحريري الذي تحاصره الضغوط الداخلية التي من شأن أي تسليمٍ بها لمصلحة استيلاد حكومة بتأثير واسع لـ»حزب الله» وحلفائه فيها أن يكشف البلاد أكثر على المزيد من السقوط، وخصوصاً في ظل الخشية من أن يكون الشهران المقبلان مفتوحين على مخاطر كبرى تعبّر عن جانب منها العين الحمراء المتصاعدة أميركياً على لبنان، في ظل كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حول أنّ «العقوبات على باسيل المرتبط بمنظمة حزب الله الإرهابية ستوفّر نتيجة جيدة للشعب اللبناني في التصدي للقادة الفاسدين في لبنان».