وعلى الأثر، صدر البيان الآتي: “منذ مائة عام حتى الأمس بالذات، يشهد التاريخ وأحداثه المتعاقبة أن نقابة المحامين في طرابلس لم تكن، إلا إلى جانب السلطة القضائية دفاعا عنها وعن استقلالها وحصانتها، لإيمان النقابة بأن القضاء والمحاماة شريكان متكاملان في تحقيق رسالة العدالة، لكن، في الفترة الأخيرة، طالعتنا مواقف وتدابير قضائية، فيها ما فيها من تجاوز لدور القضاء ومن تفسير متعسف للنصوص القانونية، كان آخرها قرار قاضي التحقيق في بيروت الصادر بتاريخ 13/11/2020 والمتضمن منع الزميل المحامي هادي حبيش من مزاولة مهنة المحاماة مدة ثلاثة أشهر.
إزاء هذا التدبير نؤكد ما يأتي:
أولا: إن السلطة الوحيدة المخولة منع المحامي من مزاولة المهنة هي المجلس التأديبي في نقابة المحامين الخاضعة قراراته لرقابة محكمة الاستئناف المدنية، فلا يجوز لقاضي التحقيق تحت أي عنوان أن يحل نفسه محلا أعطاه المشرع لسواه، وهو العارف يقينا أن قانون تنظيم مهنة المحاماة قانون خاص يتقدم في التطبيق على أي قانون عام آخر بما في ذلك أصول المحاكمات الجزائية.
ثانيا: إن منع المحامي من مزاولة المهنة يعني في ما يعنيه منعه من تقديم أي استشارة، أي من إبداء رأيه القانوني في أي مسألة تعرض عليه. فمن أعطى لقضاء التحقيق سلطان كم الأفواه، وتعطيل الحق الدستوري المسمى حرية الرأي، إلى درجة حرمان قسم من المواطنين ولو موقتا من حقهم في استشارة محام بعينه يثقون به دون سواه؟
ثالثا: إن المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا تنصرف إلى المهن المنظمة بقانون. والتفسير المتعسف برأينا الذي أعطاه لها قاضي التحقيق، قد نقل الأمر من مشكلة بين محام وقاضية إلى تنازع بين القضاء ونقابة المحامين التي لا يمكنها التخلي عن الصلاحيات التي منحها إياها قانون تنظيم المهنة، علما أننا منذ وقوع تلك المشكلة، لم نأل جهدا في سبيل السعي إلى حلها بوسائل شتى، لكننا لم نتوقع مرة أن يصير قاضي التحقيق مجلسا تأديبيا ومحكمة استئناف مدنية في آن معا.
رابعا: ولأننا بتنا نخشى من تدابير مماثلة بحق المحامين، كلما استحسن قاض أن يفسر نصا بصورة أوسع من معناه ومبناه، وبانتظار أن تتولى المراجع المختصة إيجاد وسيلة لرفع التعدي الحاصل على صلاحياتنا، فإننا كخطوة أولى نعلن منع المحامين من المثول أمام جميع قضاة التحقيق بلا استثناء. ونحن بهذا الموقف لا ندافع عن محام واحد، بل عن المحاماة كلها مهنة ورسالة، كما دافعنا من قبل عن الجسم القضائي. لأن المحامي الذي منحه القانون حصانة كاملة عند ممارسته المهنة وفي معرضها، لا يمكن أن يكون عرضة لتدابير متعسفة فيها اعتداء على القانون والأصول واللياقة واللباقة وحسن العلاقة”.