الكابوس الأسوأ، الاصطدام الكبير، الكارثة المريعة، العصر الحجري… هذه عيّنة من «الأسماء الحَرَكية» التي تُعطى لِما ينتظر لبنان في غضون أسابيع قليلة لا تتجاوز مطلع السنة الجديدة ما لم يَجْرِ استيلاد حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري وبالمواصفات التي حدّدتْها المبادرة الفرنسية ويتبنّاها المجتمع الدولي على قاعدة أن تتألق من اختصاصيين غير حزبيين ويتمتّعون بهامش من الاستقلالية في ولائهم للقوى السياسية بحيث لا تكون تسميتهم جزءاً من مُحاصَصةٍ طبعتْ حكومات ما قبل «الخراب» المالي.
وإذ ساد مناخٌ بأن الإرجاء الموقت لصدور دفعة جديدة من العقوبات الأميركية التي كانت مرتقبة على شخصيات سياسية، جاء في إطار تَفادي إطلاق «رصاصة الرحمة» على المبادرة الفرنسية المترنّحة أصلاً بتعقيدات الداخل أكثر منه تعبيراً عن إيجابيات ما في الملف الحكومي «لا أَثَر لها»، تتقاطع مؤشراتٌ عند أن الحريري يدير هذا الملف انطلاقاً من إدراكٍ كامل لديه لطبيعة الحكومة القابلة للتسويق دولياً وأيضاً من التجارب السابقة التي خاضها على رأس حكومات «كل مين إيدو إلو».
ورغم محاولات الائتلاف الحاكم (حزب الله – التيار الوطني الحر) تصوير ثبات الحريري على الحدّ المعقول من المواصفات المطلوبة خارجياً على أنه في إطار الالتحاق بقرار المواجهة الذي اتخذتْه إدارة الرئيس دونالد ترامب مع الحزب (وإيران) وهو في طريقه للخروج من البيت الأبيض ومن ضمنه رفْض أي مشاركة مباشرة أو غير مباشرة له في الحكومة العتيدة، تشير هذه الأوساط إلى أن الرئيس المكلف على دراية تامة بأن وحدها «حكومة دولية» (بمواصفاتها) كفيلة بجعل لبنان يتجاوز الخطرَ الوجودي، وأن استنساخ تشكيلاتٍ من زمن ما قبل الانهيار وثورة 17 أكتوبر 2019 لن يُفْضي إلا إلى «انتحارٍ جَماعي».
ووفق الأوساط نفسها، فإن الحريري الذي لن يعتذر أقله في مدى منظور، لن يكون هو مَن يتحمّل مسؤولية الفشل في تأليف «حكومة المهمة» بل الائتلاف الحاكم الذي اختار استرهان الملف الحكومي لاعتباريْن: الأول التعويض عن الأضرار البالغة التي أصابتْ «وزن» وصورة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل «الجريح» بعد العقوبات الأميركية.
والثاني لنقْل الواقع اللبناني إلى وضعية «على سلاحك» سياسياً في ملاقاة «أسابيع المفاجآت» الفاصلة عن مغادرة ترامب منصبه، وفي الوقت نفسه «تحريك» ساحات النفوذ الإيراني تهيئةً لعودةِ «صندوقة البريد» إلى البيت الأبيض مع دخول الرئيس المنتخب جو بايدن إليه بعدما كان «الرجل الذي لا يُتوقَع» ختمه بالشمع الأحمر.
وفيما كانت بيروت منهمكةً بمحاولة إحصاء «الدولارات» التي ما زال بإمكان المركزي التصرف بها لإبقاء الدعم على السلع الاستراتيجية والذي لا يُستبعد أن يبدأ رفْعه قريباً ولو تدريجاً على بعض المواد (مثل المحروقات) في ظلّ خشيةً من توترات أمنية قد تشقّ طريقها من البوابة المعيشية – الاجتماعية ويمكن أن تُوظَّف في لعبة «عض الأصابع» الحكومية بامتداداتها الخارجية، لم يكن عابراً أمس مضمون برقية التهنئة بذكرى الاستقلال (22 نوفبمر 1943) التي وجّهها الرئيس السوري بشار الأسد لنظيره اللبناني ميشال عون وتمنى فيها «أن ينعم بلدكم دائماً بالأمان والاستقرار وأن يمضي في مسيرته نحو المزيد من التقدم والازدهار»، معلناً «أن الحقبة الاستعمارية الطويلة التي عاشها لبنان وسورية في الماضي، والمحاولات الحالية التي يشهدها البلدان للتدخل في شؤونهما الداخلية من دول الاستعمار الحديث تُظْهِر نيات تلك الدول تجاه منطقتنا ومخططاتها لإرجاعها إلى عهود الانتداب ولكن بطرق وأساليب مختلفة».