وما كان يتردّد سابقاً بقي شيكاً بلا رصيد، إذ إن مهمة الحريري دخلت دوامة المراوحة القاتلة ولم يستطع حتى الساعة تقديم تشكيلة حكومية تنال رضى الأفرقاء، ما يدل على أن مهمته متعثّرة وطريقه إلى السراي غير معبّدة إطلاقاً.
وكل المعطيات التي سادت سابقاً أيضاً من أن هذه الحكومة ستكون حكومة العهد الأخيرة وستستمر حتى موعد الإنتخابات البلدية والنيابية والرئاسية، وذهب بعضهم أبعد حيث أكد أنها ستشبه حكومة الرئيس تمام سلام التي تحولت إلى مجلس رئاسي، كل ذلك يدخل أيضاً في صلب الكلام بكلام ولم يستند إلى معطيات جديّة.
ويرى من يتابع مجريات الأحداث أن رئيس الجمهورية ميشال عون فور انتخابه قال إن هذه الحكومة، أي حكومة الحريري الأولى في عهده، ليست حكومة العهد الأولى، وبعد الإنتخابات النيابية لم تنل حكومة الحريري الثانية رضى عون وسقطت في الشارع نتيجة ثورة “17 تشرين”، وبالتأكيد حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة لم تكن حكومة الآمال، وبالتالي فان عون لم يستطع تأليف حكومة العهد الأولى، ويبدو أنه لن يستطيع تأليف حكومة العهد الأخيرة.
ومن يقرأ في المواقف الأميركية يرى تشدداً غير مسبوق، فكل الحديث الذي يتردد من أن رحيل الرئيس الرئيس دونالد ترامب ومجيء الرئيس المنتخب جو بايدن سيسهل مهمة التأليف في غير مكانه، لأن تشدد الإدارة الاميركية ليس له دخل في شخص الرئيس، خصوصاً أن قسماً من العقوبات ومن ضمنها قانونا قيصر وماغنيتسكي وافق عليه الجمهوريون والديموقراطيون على حد سواء، ولا يستطيع أي رئيس أميركي تخطيه.
وما هو ظاهر حتى الساعة، وحسب تصاريح السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا بأن بلادها ستفرض حزمة جديدة من العقوبات على شخصيات لبنانية متورطة بالفساد وبدعم “حزب الله”، وبالتالي فان كل الكلام عن تخفيف الأميركيين عقوباتهم لا أساس له من الصحة، كما أن تلك العقوبات ستلزم الإدارة الأميركية الجديدة، من هنا الخروج من مفاعيلها ليس بالأمر السهل.
وإضافة إلى كل هذه العوامل، يأتي التشدد الاميركي الحاسم تجاه “حزب الله” والرفض المطلق بأن يمثّل في الحكومة الجديدة، لذلك ستكون مهمة الحريري شبه مستحيلة، فهو لا يستطيع تخطي الموقف الأميركي الحازم، كما أنه ليس بامكانه أن يؤلف حكومة بلا رضى “حزب الله” وعون.
بعد إسقاط الإتفاق الثلاثي في الإنتفاضة الشهيرة التي قادها الدكتور سمير جعجع في 15 كانون الثاني 1986، وبدعم من الرئيس كميل شمعون و”الجبهة اللبنانية”، ضد رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” آنذاك إيلي حبيقة الذي ذهب إلى ذاك الإتفاق بلا موافقة المسيحيين، غضبت دمشق على الحكم اللبناني ونال رئيس الجمهورية أمين الجميل قسطاً وافياً من الغضب، حينها شُلّ عمل الحكومة وسارت الدولة بالمراسيم الجوالة، أما اليوم فيشير كثر إلى أنه من المرجح، إذا بقيت الأجواء هكذا ملبدة، أنّ عون لن يستطيع تأليف حكومة جديدة وسيعاد بث الروح في حكومة تصريف الأعمال، وبما أن الأمور تتجه نحو الأسوأ، فان كل الإحتمالات واردة ولا يوجد أي عامل يوقف بورصة الإنهيار إلا إذا رضخ “حزب الله” للضغوط، في حين أن تأليف حكومة من لون واحد بدعم من “الحزب” ستجلب الويلات وستشرع الباب على مزيد من العقوبات القاسية.