كتب منير الربيع في “المدن”: يستفيق لبنان كل صباح على مأزق جديد من مآزقه المتدافعة. وتطغى اليوم مشكلة رفع الدعم على ما عداها. ولا شيء سوى اجتماعات ولقاءات للبحث في وقف الدعم على المواد الأساسية أو استمراره على مواد محددة منها. وهذه واحدة من الشروط الأساسية لصندوق النقد الدولي، إضافة إلى ضرورة التدقيق المالي الجنائي. وهذا مدار مناكفات وخلافات حاضرة بقوة بين القوى اللبنانية.
صبر دولي
ولا تزال بورصة تشكيل الحكومة تهبط وتصعد، وتتسرب منها أجواء غير واقعية في تفاؤلها. فرئيس الجمهورية لا يزال على موقفه: ضرورة التشاور مع الكتل النيابية، للتفاهم على شكل الحكومة وتوزيع حصصها. لكن الرئيس المكلف يتشبث بشروطه المضادة. واللقاء الذي كان يفترض أن يحصل بينهما تأجل، لأن عون لم يوافق على ما يطرحه الحريري.
والأزمات اللبنانية المتزاحمة، سيحضر طيفها في مؤتمر الدعم الدولي الإنساني، الذي ينعقد برعاية فرنسا، بمشاركة دولية كبيرة نسبياً (35 دولة).
وتشير المعلومات إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصل شخصياً بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وطلب منه المشاركة في الاجتماع. فيما تشارك المستشارة الالمانية أنجيلا ميركيل في المؤتمر. وباريس حريصة على مشاركة دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.
وسيكون للمؤتمر وقع معنوي أكثر مما هو سياسي. فيشير إلى مدى اهتمام المجتمع الدولي بلبنان ومجتمعه المنهك والمنكوب، على الرغم من تخلي طغمته السياسية عن مجتمعها وإدارتها ظهرها له فعلياً. والمجتمع الدولي لا يزال يطالب بصبر بإصلاحات حقيقية، وبتشكيل حكومة اختصاصيين تتبنى خطة اقتصادية واضحة، تتواءم مع شروط صندوق النقد الدولي.
والمساعدات ستكون “إنسانية” فقط، ولن تكون مالية. ويركّز المجتمع الدولي على تشكيل الحكومة شرطاً لا بد منه لإطلاق مسار سياسي – اقتصادي جديد. وهناك معلومات عن أن ماكرون مستعد للقاء الرؤساء اللبنانيين الثلاثة في حال شُكلت الحكومة. أما في حال عدم تشكيلها، فإنه سيزور لبنان ويلتقي القوة الفرنسية العاملة في عداد قوات اليونيفيل فقط.
ضرورة نظام لبناني جديد
وفي هذا الإطار يتحكم بلبنان خياران لا ثالث لهما: إما علاج الأزمات على نحو جدي لمنع الانهيار الكبير، وإما أن تستمر المماطلة في علاجها، وصولاً إلى استحقاقات انحدارية سريعة وهائلة نحو الحضيض.
وفي هذه الحال تبرز حاجة أكيدة لانعقاد مؤتمر لبناني – دولي للبحث في صيغة وتركيبة جديدة للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللبناني. وذلك يندرج في إطار تغيير وجه لبنان جذرياً. لكن هذا يحتاج إلى وقت طويل ومسار مديد، تجزم المعطيات الراهنة بضرورتها في النهاية، أطالت مسيرة الانهيار أم قصرت. فما هو قائم اليوم يقود إلى تلك النتيجة الأكيدة.
وفد أميركي لمفاوضات الترسيم
ومع انعقاد مؤتمر المساعدات الإنسانية، سيكون الوفد الأميركي المشرف على مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في زيارة للمسؤولين اللبنانيين وقيادة الجيش والوفد المفاوض. وذلك في محاولة لإجراء مفاوضات غير مباشرة هذه المرّة، هدفها إعادة الطرفين إلى طاولة التفاوض.
وتفيد معلومات أن الوفد الأميركي سيقول للبنانيين إن اتفاق إطار المفاوضات، لا ينص على ما فعله المفاوض اللبناني، حين عرض خرائط ووثائق جديدة لتغيير مضمون اتفاق الإطار. محاولاً إقناع المسؤولين اللبنانيين بالعودة إلى خطّ هوف، والذي توافق عليه الطرفان برعاية أميركية، منطلقاً للمفاوضات.
لا يزال لبنان إذاً في طريق طويلة ومعرض لاهتزازات ومآزق متناسلة.