قبيل مؤتمر الدعم الدولي الاغاثي لبيروت الذي دعت اليه فرنسا مساء اليوم، لم تكتف الدول المانحة بإظهار عدم ثقتها بالدولة اللبنانية من خلال اصرارها على توجيه مساعداتها الى المنظمات المدنية والانسانية، فحسب، بل “قرّعتها” من جديد عبر بيان مقتضب شديد اللهجة صدر عن الاليزيه قبل الظهر، بدا موجّها الى اهل الحكم في لبنان، باسم الاسرة الدولية كلّها.
وجاء فيه “لم تُنفذ أي إجراءات بموجب خارطة الطريق الفرنسية المقترحة لمساعدة لبنان على حل أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، كما لم يتم إحراز أي تقدم في ما يتعلق بمراجعة حسابات مصرف لبنان المركزي”.
وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية، قبيل انعقاد مؤتمر المساعدات إن “القوى العالمية ستواصل الضغط على الطبقة السياسية”، مضيفا “انا غير مقتنع بأن العقوبات الأميركية سيكون لها أي أثر في ما يتعلق بالمساعدة على تشكيل حكومة ذات مصداقية قادرة على تنفيذ إصلاحات من شأنها إتاحة مساعدات مالية دولية”.
لكن، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة، فإن هذه “البهدلة” الدولية التي باتت للاسف “خبز” المنظومة الحاكمة اليومي، ستذهب كما سابقاتها، كصرخة في واد، وقد اعتادها مسؤولونا وما عادت تؤثّر فيهم.
لكن الاخطر، ان صمّهم آذانهم عن كل النصائح والتحذيرات، يدفع ثمنه اللبنانيون و”الخير لقدّام” اذا استمرّ هذا السلوك “الفاشل” والمتخبّط في ادارة الازمة القاتلة التي يمرّ فيها البلد.
آخر نماذج هذا التخبط، ظهر اليوم في اللجان النيابية المشتركة التي بحثت في مصير دعم السلع الاساسية الحيوية في يوميات اللبنانيين، كالدواء والطحين والمحروقات، في ظل تناقص الاحتياطي في المصرف المركزي.
وقد غابت اي رؤية مشتركة لدى القوى السياسية لكيفية حلّ هذه المعضلة، في ظل تقاذف للمسؤوليات ولكرة النار هذه، بينها، من جهة، وبين المصرف المركزي، من جهة ثانية.
وقبل هذه الجلسة، اكتفى مجلس النواب في اصدار “قرار” او بالاحرى “توصية” بإخضاع مصرف لبنان والوزارات والمجالس والمؤسسات المالية والصناديق والبلديات كافة بالتوازي، للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرع بالسرية المصرفية، علما ان هذه الخطوة، التي “احتفل” فيها اهل الحكم، لا مفاعيل قانونية لها، بل هي نظرية أو “معنوية” لا اكثر، فيما مجلس النواب وظيفتُه الاساسية اصدار تشريعات وقوانين، ترفع اي عقبات من امام اجراء التدقيق المرجو.
هذا الاداء كلّه، لن يساهم الا في تعميق الحفرة التي يتخبّط فيها اللبنانيون اليوم، وكل هذه الحركة التي يريد الحكم من خلالها ايهام الداخل والخارج بأنه يجهد لايجاد الحلول والمخارج للمحنة المالية – الاقتصادية التي نعيش، مكشوفة امام الداخل والخارج اللذين يريانها على حقيقتها “حركة بلا بركة” و”دورانا في حلقة مفرغة”، لن ينتجا طحينا ولن يطعما خبزا. المطلوب واحد فقط: علاج يصيب جوهر الازمة لا قشورها: حكومة اختصاصيين حقيقيين مستقلّين اليوم قبل الغد، تنكب على الانقاذ والاصلاح ومحاربة الفساد. وكل ما دون ذلك مساحيق ومراهم لا تنفع في جسد مريض ينازع، تختم المصادر.