كتبت صحيفة “الأخبار”: دعا الرئيس نبيه بري النواب إلى الاجتماع لمناقشة مسألة الدعم والاحتياط الإلزامي، لكنهم خرجوا كما دخلوا. لا أحد مستعد لأن يحمل في صدره مسألة رفع الدعم. ولذلك، كان القرار بالطلب إلى الحكومة العودة بتصورها لرفع الدعم، على أن تناقش في الأسبوع المقبل. لكن وسط الفوضى والخطابات الرنانة للنواب، سُمع نائب حاكم مصرف لبنان يعلن أن ما تبقى من الاحتياطي القابل للاستعمال لا يتخطّى ٨٠٠ مليون دولار!
مسكين المودع الذي ضاع جنى عمره بين كذب الحكومات المتعاقبة وكذب إدارة المصرف المركزي، لكن المسكين الأكبر هو من يظن أن مجلس النواب حقاً يحمي مصالح الشعب. منذ 13 شهراً والأزمة تزداد حدة، من دون أن يقوم المجلس النيابي بأبسط أدواره لناحية حماية الناس ولقمة عيشهم ومدّخراتهم، ومساءلة الحكومة إن هي قصّرت.
قانون الكابيتال كونترول لم يبصر النور بعد. مرّت ستة أشهر على سحب الرئيس نبيه بري لاقتراح القانون من التداول بحجة وجود ملاحظات عليه من حاكم مصرف لبنان ومن صندوق النقد الدولي (لا يزال المشروع عالقاً في اللجان). والأمر لم يقف عند هذا الحد. عندما كان يجب أن يحاسب من فشل في إدارة النقد وحماية استقرار الليرة، ليس عبر زجه في السجن، بل على الأقل عبر إقالته أو حتى الطلب منه أن يستقيل، خرج بري من القصر الجمهوري ليعلن أن البلد بحاجة إلى الجميع، من دون أن يعرف حتى اليوم ما هي القيمة المضافة التي قدمها رياض سلامة، الذي لا ينفك يبرّئ نفسه من كل ما يجري، محمّلاً المسؤولية حيناً للحكومة وحيناً للمصارف، من دون ينسى، مع ذلك، التأكيد أن الأمور تحت السيطرة وأن أموال المودعين في الحفظ والصون وأن الدولار لا يزال بـ1515 ليرة.
المجلس النيابي هو آخر الغيث لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الإنقاذ لا يمكن أن يكون على شاكلة توصية حق يراد بها باطل. تعميم تجربة التدقيق الجنائي على كل الإدارات، لم تكن وظيفته سوى حماية سلامة وطبقة المنتفعين من سياساته، من التدقيق في حساباته هو. آليات التدقيق في المؤسسات والهيئات والإدارات الحكومية سهلة وممكنة متى وجدت الإرادة لذلك، لكن مصرف لبنان هو وحده الذي لا أحد يعرف ما يدخل إليه وما يخرج منه. لو كان المجلس حريصاً فعلاً على كشف مكامن الخلل والفساد في إدارة المصرف المركزي، لكان أمكنه ببساطة أن يخرج اقتراح القانون المقدم من القوات اللبنانية بتعليق العمل بالسرية المصرفية في كل ما يتعلق بالتدقيق المالي والجنائي في حسابات المصرف المركزي ويقرّه، بدلاً من الذهاب إلى توصية لا قيمة لها في هذا السياق. جلّ ما فعلته تلك التوصية هو نقل تحويل النقاش من رفض سلامة الكشف عن حسابات مصرف لبنان إلى تأكيد فتح حسابات الدولة أمام التدقيق.
في السياق نفسه، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء تعميماً، أمس، تطلب فيه من جميع المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والإدارات ذات الموازنة الملحقة… والتي تملك حسابات في مصرف لبنان، إجراء ما يلزم مع هذا الأخير في سبيل إخضاع حساباتهم للتدقيق الجنائي المطلوب.
ذلك أيضاً تعميم بلا قيمة، يضاف إلى رسالة وزير المالية إلى مصرف لبنان. أولاً لم يعد هنالك أي جهة أو شركة تقوم بالتدقيق الجنائي، وثانياً لا يزال مصرف لبنان هو من يقرر ما يمكن كشفه من معلومات وما يمكن إخفاؤه، وقد فعل ذلك مع شركة ألفاريز أند مارسال، حتى في ما يتعلق بالمعلومات التي لا يمكن أن تكون مشمولة بالسرية المصرفية.
الأسوأ أن الحكومة التي ظلت مصرّة على عدم تحمّل مسؤولية أي قرار يتعلق بترشيد الدعم، وجدت في الدعوة إلى جلسة أمس، خشبة خلاص لها، تعفيها من أي قرار غير شعبي، قبل أن يتبيّن أن النواب بدورهم، وهو البديهي، ليسوا قادرين على الحلول مكان السلطة التنفيذية أو مكان مصرف لبنان الذي يرفض بدوره تحمّل المسؤولية، علماً بأن في الجلسة من أصرّ على إصدار توصية بشأن الدعم، لا وظيفة لها سوى تحرير رياض سلامة من مسؤولياته.
وبنتيجة عدم وضوح وجهة الجلسة وانقسام النواب بين إراحة رياض سلامة من عبء القرار (قاد هذا المحور نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي) وبين محمّل المسؤولية له (قاد هذا المحور النواب جميل السيد وحسن فضل الله وكتلة القوات وكتلة التيار الوطني الحر جزئياً)، تحولت سريعاً إلى سوق عكاظ تناوب فيها النواب على الكلام. وكان واضحاً في خلاصتها رفض النواب تحمّل مسؤولية ليست من مهامهم. ولذلك، لم يجد النواب الثمانون أمامهم سوى رد الكرة إلى ملعب الحكومة والمصرف، فطالبوها بتقديم تصور أو مشروع، بالتنسيق مع مصرف لبنان، وعرضه على المجلس النيابي.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.