ماذا وراء التحذيرات من اغتيالات سياسية في لبنان؟

كان اغتيال محمد شطح عام 2013 آخر الاغتيالات السياسية الكبيرة

9 ديسمبر 2020
ماذا وراء التحذيرات من اغتيالات سياسية في لبنان؟
جنى الدهيبي
جنى الدهيبي

على وقْع تفاقم الأزمات غير المسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، سياسيًا واقتصاديًا ومعيشيًا، لم يكن مفاجئاً ما خرجت به جلسة مجلس الأعلى للدفاع الأسبوع الفائت، من معلومات أمنية متوافرة لديها، وتحليلات تنذر أن المرحلة المقبلة ستتخللها اغتيالات سياسية، وأن ثمة خطرًا يهدد بعض الشخصيات، من دون الإفصاح عن هويتها منعًا للهلع.

وبصرف النظر عن المعطيات التي أسندت إليها هذه التحذيرات، سواء من أجهزة أمنية غربية أو من تحليلات لأجهزة داخلية على الأرض، ولأن اللبنانيين عمومًا فقدوا الثقة بمصداقية كلّ ما يصدر عن سلطاتهم، تبقى الأسئلة العالقة: ما الهدف من إعلان هذا النوع من التحذيرات الأمنية؟ وهل لبنان مقبل فعلاً على حقبة جديدة من الاغتيالات؟

مسار الاغتيالات
يعود علي مراد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيروت العربية، إلى مفهوم “الاغتيال السياسي”، بوصفه ثبت في الحياة السياسية اللبنانية، وتعود جذوره لسبعينات القرن الماضي، لدرجة نستطيع أرشفة الاغتيالات كفعل كان يؤسس في كل مرة لمرحلة سياسية جديدة في لبنان.

ويرى مراد في حديث لـ”المدن”، أن لبنان من أكثر البلاد حول العالم التي رُسمت فيها خريطة الأحداث السياسية ربطاً بالاغتيالات، بدءًا من اغتيال كمال جنبلاط (1977) الذي أسس لمرحلة جديدة، ثم اغتيال بشير الجميل (1982)، وما تلاها من اغتيالات طالت شيوعيين في مرحلة معنية، واغتيال مفتي الجمهورية حسن خالد ورئيس الجمهورية رينيه معوض (1989)، وغيرها، إلى أن جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005)، الذي كان منعطفا مفصليًا في لبنان، وما تبعها من سلسلة اغتيالات طويلة، انتهت في العام 2013 باغتيال الوزير محمد شطح.

بهذا المعنى، يعتبر مراد أنه إذا نظرنا إلى مستوى التأزم في لبنان، ليس مستغربًا أن ينعكس على الوضع الأمني، وأن هناك فئات لها مصالح بالذهاب لخيارات أمنية وعسكرية، تأجيجًا للفوضى بعد أن انعدمت كل سبل الحل الممكنة للأزمة، فيما لبنان يبدو متروكاً على المستوى الدولي.

ويرجح مراد أن الدول العربية والغربية التي لن تساعد لبنان بموقف صريح، نظرًا لعدم تنفيذ شروطها، قد لا يكون لها مصلحة مباشرة بالتفجير الأمني للوضع داخليًا، من دون أن تكون الاغتيالات مستبعدة ربطًا بمساره التاريخي لبنانياً.

من وجهة نظر أخرى، ثمة من اعتبر أن السلطات في لبنان لجأت لتسريب أجواء عن الاغتيالات، بهدف التهويل على اللبنانيين، وردعهم في مرحلة بات فيها الانفجار الاجتماعي وشيكًا، بانتظار قرارات موجعة حول مصير دعم السلع الأساسية.

غير أن مراد يعتبر أن قمع الانفجار الاجتماعي لا يحتاج في الأصل لاغتيالات، وفي حال وقوعها قد تطال سياسيين أو ناشطين. فإذا طالت ناشطين أو شخصيات مدنية مؤثرة أخرى، تكون استهدافاً مباشراً للناس وانتفاضتهم، أما إذا طالت سياسيين، فنكون أمام لعبة سياسية، ولا أحد يمكن أن يتكهن طبيعة الشخصيات السياسية المستهدفة، من دون معلومات أمنية، لسبب بسيط، أن طبيعة التحالفات والتسويات اختلفت رأساً على عقب عن المرحلة السابقة، على حدّ قول مراد.

وواقع الحال، تحمل هوية ضحايا الاغتيالات عنصر المفاجأة، بحسب مراد أيضًا، فـ”لم يتخيل أحد مثلاً اغتيال الحريري في تلك المرحلة، ولا سمير قصير ولا جورج حاوي ولا وليد عيدو ولا انطوان غانم، مما يعني أن جزءاً من فاعلية الاغتيالات بالمعنى السياسي أنها تستهدف ما لا نتوقعه”.

ومع تردد معلومات عن نشاط خلايا متطرفة في بعض المناطق اللبنانية، ينقلنا التحدي الآخر، إلى التيارات والمجموعات الجهادية، التي يمكن أن تتورط باغتيالات، بصرف النظر عن محركيها، لكن تنشيط حركة “الجهاديين” قد يخدم القوى التي تريد القول “أنا من يؤمن الاستقرار في لبنان، وأنا الوحيد القادر على ضبطه”، وفق مراد.

هشاشة الأمن
أمنيًا، يستغرب إلياس حنا، الخبير الاستراتيجي والعميد المتقاعد في الجيش اللبناني، تعميم معلومات الاغتيالات من قبل جهة رسمية هي المجلس الأعلى للدفاع.

ويرى أنه إذا وردت هكذا معلومات موثقة، تستدعي تحذير الشخصيات المستهدفة فقط من دون إشاعتها في البلاد من جهة، واتخاذ التدابير اللازمة لتفاديها من جهة أخرى.

ومن الأسئلة التي تتطلب إجابات بعد إشاعة أجواء الاغتيال، وفق حنا، هي: هل مصدر هذه المعلومات هو مجرد تحليل أو من جهات استخباراتية خارجية؟ وما هي طبيعة الشخصيات المستهدفة ودرجة أهميتها بالمعنى السياسي اللبناني؟

ولا يستبعد العميد وقوع اغتيالات في لبنان، ليس نتيجة الفوضى الداخلية فحسب، وإنما نتيجة الحرب المفتوحة إقليمياً، وفي طليعتها الصراع الأميركي الإيراني، مع ترقب الأحداث التي ستسبق دخول جو بايدن البيت الأبيض، من خلال استكمال لمسلسل اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده.

وقال حنا: “شكّل اغتيال الحريري نقطة تحول جذرية في لبنان، لأنه كان يمثل مشروعاً إقليمياً، والخشية من اللجوء مجدداً لاغتيال شخصية مؤثرة سياسياً وطائفياً”.

وخرق الأمن في لبنان، يبدأ من الداخل، بحسب العميد، نتيجة صراع الأجهزة الأمنية وتعددها، من منطلق أن كل منها تصب في خدمة فريق سياسي معين. وتأجيج التنافس فيما بينها ما يؤدي لخلل أمني واضح، وخطورة المرحلة الراهنة وفقه، هو بالفراغ الكبير في الحكم، “التي دفعت رئيس الجمهورية إلى خرق الدستور من بوابة مجلس الدفاع”.

ويعتبر حنا أن الأزمة الأمنية “تتكشف في كل مرة، بدءاً من تعيينات الرؤساء الأمنيين، كما حصل مؤخراً، بعد أن صارت المخابرات علمًا يُدرس، وهو شديد التعقيد ويحتاج لمناقبية عالية، في وقت ما زال لبنان متخلفاً في هذا المجال، ما يجعله مفتوحًا على أسوأ السيناريوهات، في الأمن كما في السياسة”، يضيف العميد.

المصدر المدن