يتم التعامل مع هذين العنوانين من زاوية استثمارهما في الصراع السياسي على المواقع في السلطة، لا من زاوية الحاجة الملحة إلى مقاربتهما في سياق الإنقاذ، تفادياً للمصير البائس الذي ينزلق إليه اللبنانيون مع كل يوم تأخير في إنجازهما.
ما زال منطق إلقاء اللوم ورمي المسؤولية على الآخرين سائداً. فريق الرئاسة يكرر اتهام الرئيس المكلف سعد الحريري بأن عدم امتثاله للمعيار الموحد في التأليف هو الذي يؤخر الحكومة. ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يؤخر القرارات في شأن رفع الدعم عن بعض السلع، وترشيده على غيرها، ملقياً مسؤولية هذه الخطوة على الحكومة الجديدة بحجة عدم صلاحية حكومته للاجتماع كونها ليست كاملة السلطات، أو تاركاً لمسلسل الضغائن تجاه المجلس النيابي الذي أجبره على الاستقالة في 10 آب الماضي أن يتفوق على حنق الفريق الرئاسي ضد الحريري. والأخير مطلوب اعتذاره وفق سيناريو يتوقع رفض الرئيس ميشال عون التشكيلة التي سيقدمها له، مع تعذر تلبية مطالبه ومن ورائه النائب جبران باسيل، الطامح إلى الثلث المعطل للتحكم بالحكومة وقراراتها ولا سيما في الوزارات التي يفرض المجتمع الدولي الإصلاحات فيها.
أسلوب النكايات والمماحكات لا يصلح ليس فقط لإدارة الحلول المطلوبة للمأزق اللبناني، بل أنه لا يمكنه حتى إدارة أزمة من النوع الذي يعيشه البلد. حتى أن فريق الرئاسة يتجنب توريط نفسه في قرارات رفع الدعم عن بعض السلع وترشيده، تاركاً لدياب أن يتخبط في القرار غير الشعبي وفي الوسطين السياسي والاقتصادي، مع أنه يقحم المجلس الأعلى للدفاع والحكومة المستقيلة في قرارات من نوع تكليف وزير المالية تأمين اعتماد بقيمة 150 مليار ليرة لمساعدات الترميم جراء انفجار مرفأ بيروت، أو إعداد اتفاقية مع البنك الدولي لقرض تمويل شبكة الأمان الاجتماعي…
لبنان واقع بين إدارات عدة لشؤونه. الأولى إدارة للصراعات السياسية المحلية داخل المؤسسات يتولاها فريق الرئاسة عبر نفوذه في القضاء والأمن وبعض المؤسسات، والتفريخ الموجّه لملفات الفساد، عنوانها القرار لي، بينما دور الفرقاء الآخرين التفرج على استفراد فريق بالسلطة بدعم من “حزب الله”، مع ما يجره ذلك من أحقاد وتأجيج للتناقضات. الإدارة الثانية هي لشؤون الناس والأكثر حاجة، تقوم بها منظمات المجتمع المدني المدعومة من تبرعات أهلية ومن هيئات دولية ومنظمات إغاثة، تطورت مع انفجار مرفأ بيروت بانضمام جيش المتطوعين وباتت قناة إنفاق ما يقارب نصف المليار دولار جمعها مؤتمرا المساعدات اللذين رعتهما فرنسا لغياب الثقة بالحكم. أما الإدارة الثالثة فهي تلك التي يؤمنها الجيش اللبناني بتلقيه تبرعات ومساعدات الدول وتوزيعها على المناطق والجهات الموجهة إليها وهي إدارة تعززت بعد 4 آب. الإدارة الرابعة هي التي يتولاها “حزب الله” فيحدد بالتنسيق مع رئيس الجمهورية توجهات الحكم والوزارات المعنية بالخيارات الإقليمية، وبعض شؤون الأمن ويشرف على معابر حدودية، ويدير مواقع عسكرية صاروخية بالتنسيق مع إيران. الإدارة الخامسة هي الإدارة الدولية التي انبثقت من انفجار المرفأ، للشؤون الاقتصادية المالية، والسياسية ولبرنامج الإصلاحات، ترعاها فرنسا، وأقصى ما تستطيعه راهناً، هو تقاسم الأدوار مع النفوذ الإيراني”.