الحريري رمى كرة الحكومة في ملعب القصر ومشى… بعبدا تطرح حكومة مقابلة وتبدد الأجواء الايجابية

10 ديسمبر 2020
الحريري رمى كرة الحكومة في ملعب القصر ومشى… بعبدا تطرح حكومة مقابلة وتبدد الأجواء الايجابية

بعد 49 يوما تماما من تكليفه تشكيل الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي وضع الرئيس المكلف سعد الحريري في عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تركيبة حكومية كاملة من 18 وزيرا اختصاصيين غير حزبيين وسط انطباعات متفائلة بإمكان انطلاق مسار مختلف في مسار التأليف لتسريع ولادة الحكومة  وربما قبل الزيارة الثالثة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان هذه السنة عشية عيد الميلاد. ولكن هذه الانطباعات تبددت امام الطرح المفاجئ المقابل الذي قدمه عون أولا ومن ثم امام مؤشرات سلبية أخرى جاءت عبر اعلام “حزب الله” الذي انتقد تركيبة الحريري وقال انه قدمها من دون التشاور مع أي طرف إرضاء للفرنسيين ونوه بطرح عون. 

 
وقد حمل الرئيس الحريري الى لقائه عصر امس مع الرئيس عون مظروفين قدم احدهما الى عون متضمنا التركيبة الحكومية الكاملة. وأعلنت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية في بيان رسمي لوحظ انه صدر بعد نحو ساعتين من لقاء عون والحريري ان “الرئيس عون تسلم من الرئيس الحريري تشكيلة حكومية من 18 وزيرا وعرض معه لاتصالات الساعات الأخيرة التي كان اجراها رئيس الحكومة المكلف على هذا الصعيد” . وأضافت “ان الرئيس عون قدم للرئيس المكلف طرحا متكاملا يتضمن توزيعا للحقائب على أساس مبادئ واضحة واتفق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على دراسة الاقتراحات المقدمة ومتابعة التشاور لمعالجة الفروق بين هذه الطروحات”.  وبدا لافتا ان العهد اقدم على ما يعتبر تجاوزا دستوريا لصلاحياته من خلال تقديم طرح او تصور لتشكيل الحكومة لان هذا يتجاوز صلاحياته وهي صلاحية رئيس الحكومة المكلف بان يقدم التشكيلة ويدرسها ويناقشها مع رئيس الجمهورية .

ماذا جرى في اللقاء؟
وعقب توزيع المعلومات الرسمية من قصر بعبدا كشفت مصادر مطلعة على اجتماع الرئيسين عون والحريري لـ”النهار” ان رئيس الجمهورية لم يقدم تشكيلة حكومية بل تركيبة من دون أسماء لحقائب وطوائف، اما الرئيس الحريري فقدم تشكيلة كاملة متكاملة فيها أسماء لكل الحقائب والطوائف وقد وعد الرئيس عون بدرسها وإعطاء الجواب في شأنها.

وبدا من المعطيات المتوافرة ان عون لم ينظر بإيجابية ابدا الى حصر الحريري التركيبة الحكومية بـ18  وزيرا بل يريد تركيبة من عشرين وزيرا وهو ما يطوي أيضا إصرارا واضحا لديه على حصوله والتيار الوطني الحر على الثلث المعطل في الحكومة. وأفادت معلومات ان أجواء بعبدا والفريق العوني لم تكن إيجابية حيال تركيبة الحريري بل ذهبا الى اعتبارها افتعالا لمشكلة ولا تؤكد الشراكة ومع ذلك قدم الحريري تركيبته وقدم رئيس الجمهورية تصوره والحوار مفتوح . 
 
واعتبر حسب مصدر معني، لـ”اللواء”: “ان ما تحقق خطوة يُبنى عليها، وتأليف الحكومة بات مسألة جدية..”

ولم يشأ المصدر الامعان في التفاؤل، إلا انه اعتبر ان ضغط الانهيار العام، وعقم المعالجات من شأنه ان يكبح جماح التهور، لدى المعطلين، من دون ان يجزم بمسار الأيام المقبلة، داعياً لضغط حقيقي ليرعوي هؤلاء المعطلون عن دور وضع العصي في دواليب الإقلاع، نظراً لصعوبة الاستمرار في دائرة الانتظار..

وحسب أوساط المراقبين، فإن إشارة الرئيس المكلف، في معرض الرد على أسئلة الصحافيين، وهو يغادر القصر الجمهوري بأن “الأجواء ايجباية.. إن شاء الله، سرعان ما تعرض لـ”صدمة رئاسية” كادت ان تطيح بالمناخ الجديد، وتضع الموقف في دائرة الشك، من العودة إلى “عض الاصابع”، ورمي الكرة على الرئيس المكلف، تحت حسابات، لا تعالج أزمة، ولا تأتي بدولار واحد إلى الخزينة، المترنحة تحت وطأة الأعباء.

وفهم من مصادر على اطلاع، ان الرئيس المكلف لمس “جواً ايجابياً” خلال اللقاء مع الرئيس عون، لكن المصادر تخوفت من دور لكل من رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل، واحد المستشارين الرئاسيين، من تعطيل المناخات الإيجابية.

واعتبرت هذه المصادر ان الكلام الرئاسي عن ان “رئيس الجمهورية سلم الرئيس المكلف طرحاً حكومياً متكاملاً، يتضمن توزيعاً للحقائب على أسس واضحة، ينطوي على تجاوز للدستور، الذي ينيط عملية التأليف بالرئيس المكلف، على ان يتفق مع رئيس الجمهورية على التشكيلة.

ووصفت مصادر سياسية خطوة الرئيس المكلف بتسليم رئيس الجمهورية تشكيلة تاليف الحكومة الجديدة، بعدما يقارب الشهر ونصف من تكليفه، بانها الخيار الصحيح ولو انها تأخرت بعض الوقت ولكنها انهت حفلة التكاذب والتعطيل المتعمد التي يديرها الفريق الرئاسي، سرا وعلنا لقطع الطريق على نجاح الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة على اساس المبادرة الفرنسية.

وقالت ان تسليم التشكيلة الحكومية لرئيس الجمهورية، وضع  مسؤولية التشكيل على عاتق الاخير وعليه ممارسة صلاحياته الدستورية بالقبول او الرفض، او طرح ملاحظات او المطالبة بتعديلات محدودة بالتفاهم مع الرئيس المكلف، في حين ان ما اورده البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية بعد اللقاء، لم يؤكد الجو الايجابي الذي بشر به الحريري وانما تضمن تجاوزا للدستور من خلال الاشارة الى ان عون سلم الحريري طرحا حكوميا متكاملا، ما يعني ان الفريق الرئاسي ألذي يقف وراء عون  يمعن في تسميم الأجواء السياسية وتبديد الاشارات التي سادت اللقاء بين عون والحريري، واشارت الى نوايا مبيتة جراء ما يحصل، اضافة الى الامعان في تقويض مواصفات حكومة المهمة واستبدالها بحكومة محاصصة مستنسخة عن الحكومات التوافقية السابقة ولو بتعديلات تجميلية وهي الحكومات التي فشلت بمهماتها واصبحت مرفوضة شعبيا وخارجيا وغير قادرة على القيام بمهمات حكومة الإنقاذ المطلوب تشكيلها، لا من قريب ولا من بعيد. بينما يبقى إصرار الفريق الرئاسي الحصول على الثلث المعطل في التشكيلة الحكومية، من العوائق التي تحيط بعملية التشكيل أيضا.

التركيبة الوزارية
وحسب مصادر معنية، فإن ما حدث أمس هو بداية متكاملة لعملية التأليف من خلال تقديم الحريري لائحة متكاملة  لتشكيلة من ١٨ وزيرا وطرح آخر متكامل من عون.
وفي المعلومات المستقاة من مصادر مطلعة أن الحريري سلم اللائحة مع حقائب وأسماء إذ حمل معه سير ذاتية لبعض الوزراء. وقالت المصادر أن الرئيس عون اطلع من الحريري عليها مع العلم انه قدم يوم الاثنين الفائت لائحة تضمنت اعادة توزيع للحقائب.  

ولفتت المصادر إلى أنه حصل بحث في الأسماء وسيتم التشاور بينهما في وقت قريب مشيرة إلى أن الأجواء إيجابية وستتم متابعتها وهناك رغبة منهما بالتعاون والإسراع في تأليف الحكومة.

وفهم أنه سيصار إلى جوجلة كل من طرح عون والحريري علما أن فيهما الكثير من القواسم المشتركة والأسماء المشتركة أيضا.  

وقالت أن الملف الحكومي في ملعب من يشكلها أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وقيام اتفاق بينهما فهل تحسم الأيام المقبلة هذا الأمر ام أن التفاصيل الداخلية تتحكم بالملف؟

وأوضحت المصادر أن لا موعدا محددا أمام تأليف الحكومة وهناك مشاورات ستأخذ مداها قبيل الأيام الفاصلة عن لقائهما المقبل.

وافادت مصادر المعلومات لـ “اللواء” ان الحريري سيدرس ما تقدم به عون ويعود بالجواب قريباً. وتردد ان تشكيلة الحريري تضم ستة وزراء مسيحيين للرئيس عون، ووزيرمسيحي له، مع وزيرين مسيحيين واحد يقترحه تيار المردة وآخر يقترحه الحزب القومي وهذا امر بات محسوماً، وانه طرح ان تكون حقيبة الدفاع للوزير الذي يقترحه عون، بينما يأخذ الحريري  وزيراً سنياً لحقيبة الداخلية ويتم تعيينهما بالتوافق. ولكن يبدو ان عون لم يوافق على هذا الطرح بالكامل، خاصة ان الوزراء المسيحيين السبعة الاخرين سيكون للحريري واحد منهم. من هنا كان الطرح الذي قدمه عون قائماً على “إعادة توزيع الحقائب لكل الطوائف على اسس واضحة”.

وبالنسبة للموقع الدرزي فلم تعرف الحقيبة التي اسندت الى من يقترحه الحزب التقدمي الاشتراكي وهل سيكون بالتوافق بين الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني؟ لكن علمت «اللواء» ان الحريري سحب اقتراحه بإسناد الخارجية والسياحة للطائفة الدرزية وقدم اقتراحا بإسناد حقيبة الخارجية مع حقيبة أخرى لم تعرف بعد.علماً أن مصادر الحزب اكدت عدم مطالبته بحقيبة المهجرين.

على هذا لم يتم حسم امر التشكيلة الحكومية بشكل نهائي مع وجود طرحين غير متقاربين كثيراً، لكن برغم ذلك لازالت اجواء التشكيل تتسم بالإيجابية طالما ان الرئيسين دخلا في التفاصيل القابلة للبحث وللتغيير ويبنيان على نقاط التلاقي ومعالجة نقاط التباين.

في المقابل، أشارت أوساط سياسة بارزة لـ”الأخبار” إلى أن “المناخ الذي يغلّف عملية التأليف لا تزال وتيرته بطيئة جداً، وهو أشبه بتقاذف الكرة بينَ طرفين يدرك كل منهما نقاط ضعف الآخر، ولا تزال المبارزة بينهما على أشدها”. كما أن المُعطيات الملموسة تُثبِت أن التأليف يستلزِم وقتاً، وأن ما تقدّم به الحريري ليسَ جدياً. وليسَ أدل على ذلِك من أن حزب الله لم يكُن قد سلّم الحريري أي أسماء، على عكس رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بينما علمت “الأخبار” أن “اتصالات حصلت أول من أمس بين الحريري والحزب الاشتراكي، جرى فيها تبادل لبعض الأسماء واتفاقا أوليّ على أن يحصل وليد جنبلاط على وزير واحد في الحكومة بحقيبتين هما الخارجية والزراعة”.

وبالنسبة للحقائب المخصصة للشيعة فعلمت “اللواء” من مصادر ثنائي امل وحزب الله “ان لا مشكلة في الموضوع ونحن متفقون مع الرئيس عون والرئيس المكلف”.

ومما تسرب ان الحريري افرد في تركيبته خمسة وزراء لفريق العهد والتيار كما انه أبقى الدفاع لرئيس الجمهورية وابقى الداخلية والعدل للسنة والخارجية للحزب الاشتراكي وسمى وزيرين في خانة “حزب الله” غير حزبيين .  

وعلمت “اللواء” ان فريق بعبدا اعترض على بعض الأسماء في تشكيلة الحريري، لا سيما على اسم العميد نقولا الهبر، الذي اقترحه الرئيس المكلف لوزارة الداخلية، وكذلك جرى الاعتراض على المرشحة لوزارة الثقافة لين الطحيني (وهي موظفة في الوزارة، وتعنى بموضوع المنظمات الثقافية الدولية)، واقترح بديلاً لها الدكتورة فاديا كيوان، الأستاذة والعميدة في جامعة القديس يوسف، في كلية الحقوق والعلوم السياسية.

ومن بين الأسماء المسيحية، ضمّن الحريري تشكيلته أربعة أسماء (عُرف منها فاديا كيوان وعبدو جريس) كان قد طرحها عون في جلسات سابقة مع الحريري من ضمن لائحة تضم ستة أسماء يريدها من حصته، بينما اختار الرئيس المكلف إسماً مسيحياً خامساً يتمتع بعلاقات طيبة مع رموز من “التيار الوطني الحر”، بالإضافة إلى وزير أرمني للطاشناق. لكن في المقابل، كشفت المصادر أنّ رئيس الجمهورية طرح عملية إعادة توزيع للحقائب بشكل يحفظ له وللتيار الوطني تسمية 6 وزراء + وزير إضافي لحزب الطاشناق، ما يضمن عملياً لتكتل “لبنان القوي” الذي يرأسه باسيل الحصول على “الثلث المعطل” باعتبار الطاشناق عضواً في التكتل.

وفيما رشح أيضاً عن معلومات متصلة بتشكيلة الحريري، تنقل المصادر أنها لا تعتمد مبدأ المداورة، إنما أبقت وزارة الداخلية للسنّة مقابل الدفاع لرئيس الجمهورية (مع مطالبة عون بوجوب إضافة حقيبة العدل على حصته أيضاً وألا يتولاها وزير سنّي)، وتم إسناد حقيبة الصناعة للأرمن، وحقيبتي الخارجية والزراعة للدروز، بينما بقيت الطاقة من ضمن الحصة المسيحية مع اسم مقترح من فرنسا لتولي هذه الحقيبة. في حين قدم الحريري ترشيحات وزارية شيعية من الاختصاصيين الذين يحظون بقبول لدى ثنائي “أمل – حزب الله” ولا يشكلون أي استفزاز له.

اعتراض على خطوة عون
وإذ تقاطعت ردود الفعل الأولية على تقديم عون “تشكيلة مضادة” لتشكيلة رئيس الحكومة المكلف، عند توصيف الخطوة بأنها محاولة واضحة لإعادة قذف كرة المسؤولية عن تعطيل التأليف من بعبدا إلى بيت الوسط، ربطاً بالتسويق لفكرة وجود طرح رئاسي لا بد للحريري من أن يأخذ به والتجاوب معه قبل إعطاء عون جوابه على تشكيلته، رأت مصادر نيابية في هذه الخطوة “سابقة دستورية بعثر من خلالها رئيس الجمهورية دستور الطائف عبر بدعة تقديمه تشكيلة وزارية مقابلة لتشكيلة الرئيس المكلف”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ جل ما يستطيع رئيس الجمهورية القيام به استناداً إلى منطوق الشراكة الدستورية في تأليف الحكومة، هو التشاور مع الرئيس المكلف وإبداء الملاحظات وصولاً إلى امتلاكه حق رفض التشكيلة أو قبولها فقط دون أن يكون له الحق في تقديم تشكيلة مقابلة”.

وفي هذا الإطار، حذرت مصادر معنية من “خطورة الخطوة العونية وأبعادها التي تنذر بتسعير نار الخلافات الطائفية في البلاد على خلفية التلاعب بصلاحيات الرئاسة الثالثة ومحاولة قضمها من جانب الرئاسة الأولى”، مشيرةً إلى “استياء عارم لدى رؤساء الحكومات السابقين إزاء تصرف عون”، من دون أن تستبعد دخول “دار الفتوى” على الخط في حال أصر رئيس الجمهورية على خطوته الاستفزازية للمكوّن السنّي.

وتعليقاً على ذلك، اكتفت مصادر قصر بعبدا برفض تسمية خطوة عون بأنها بمثابة تقديم لتشكيلة وزارية وأصرت على تسميتها “طرحاً حكومياً”، لافتةً إلى أنّ المقصود من ذلك إيجاد “قواسم مشتركة” بين تشكيلة الرئيس المكلف وطرح رئيس الجمهورية ليصار الى “تثبيت النقاط المشتركة والعمل على تقليص الفوارق ونقاط الاختلاف”.

بري: بداية جيدة
ووصف رئيس مجلس النواب نبيه بري ما جرى امس بانه “بداية جيدة وخرجنا من الدائرة الأولى وعلى الرئيسين إكمال الحوار لتشكيل الحكومة”، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “النهار”