أراد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري “تكحيلها” أمس، امام الرأي العام المحلي والدولي الذي يضع الملف اللبناني تحت مجهره، فإذ بهما “يعميانها”، كما يقول المثل اللبناني المأثور. فاللقاء الذي جمعهما في قصر بعبدا عصرا، أتى ليزيد المشهد الملبد على الضفة الحكومية، تلبدا واسودادا، بدل ان يترك انطباعات – ولو زائفة – بأن التشكيل تحرّك من جديد وقد يصل الى خواتيم سعيدة.
بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة، حملُ الرئيس المكلف تركيبة كاملة مكتملة الى القصر معه، مرفقة بالسير الذاتية للوزراء الذين اختارهم، كان ضربة موفّقة من قبله، وإن أتت متأخّرة اسابيع.
فمن واجبه الدستوري ان يضع المسودات الواحدة تلو الاخرى ويتناقش فيها مع رئيس الجمهورية، الى ان يصلا الى ارضية تفاهم مشتركة تجمع بينهما. وبموضوعية، تتابع المصادر، الحريري أتمّ فرضه، وبشكل يكاد يكون “لا غبار عليه”.
فهو رسم تركيبة مؤلفة من اختصاصيين ذوي خبرة، غير حزبيين، تلاقي الى ابعد الحدود الممكنة – نظرا للتوازنات السياسية النيابية الداخلية- متطلباتِ المبادرة الفرنسية.
ويُسجَّل له انه سمّى بنفسه الوزراء كلّهم، من كل الطوائف، معتمدا “وحدة المعايير” كما تطالبه القوى السياسية.
في المقابل، وكما “ساير” الثنائي الشيعي بالمالية، “ساير” التيار الوطني الحر بحقيبة الطاقة التي ستؤول الى شخصية يرضى عنها البرتقالي والفرنسيون، في الوقت عينه.
غير ان ما لم يكن في الحسبان، تضيف المصادر، هو ما فعله عون بتقديم تركيبة – وان غير مكتملة – للحريري. فالخطوة هذه تعدّ سابقة لا بل تكاد تكون تجاوزا لصلاحيات رئيس الجمهورية في التأليف، فوظيفته تقتصر على البحث مع الرئيس المكلف في المسودة التي يحملها اليه الاخير، لا ان يسلّمه هو مسودة/لائحة/تشكيلة، لا فرق، مضادة.
على ما يبدو، تتابع المصادر، الرئيس عون الذي ادرك ان ما فعله الحريري، رمى كرة التشكيل وتعطيله في مرمى بعبدا، أراد الرد سريعا وتبرئة ساحة القصر من هذه التهمة، خاصة عشية عودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مجددا الى بيروت في 21 الجاري، فلجأ الى تقديم اللائحة المقابلة للرئيس المكلّف.
المعادلة التي خرج بها لقاء القصر، خلاصتُها تعادلٌ بين الفريق الرئاسي وفريق الرئيس المكلّف، تعادل سلبي، سيبقي عربة التشكيل في أرضها، وإن حرص اهل الحكم على تغليف هذه الحقيقة، باجواء مغايرة، تفيد بأن المشاورات ستستمر بين الطرفين الى حين ردم الهوة بينهما.
والاخطر في الواقع هذا، تضيف المصادر، هو ان تكون خطوة رئيس الجمهورية، التي أطالت أمد الشغور الحكومي، مغطاةً من حليفه الاول، حزب الله، الذي لم يعجبه اختيار الحريري الوزراء الشيعة، من “عندياته”، من دون اللجوء اليه، وعلى ما يبدو، هي مدعومة من الضاحية.
فالاخيرة تصر على ان تُمثّل بوضوح في مجلس الوزراء العتيد، وهو ما قاله مسؤولو الحزب مرارا وتكرارا في الاسابيع الماضية.
ذلك يعني، أن الحزب يفضّل الا تشكّل الحكومة اليوم، وأن يصار الى تبلور كيفية تعاطي الادارة الاميركية الجديدة معه ومع الملف الايراني ككل، قبل التأليف.
فبعد تسلّم جو بايدن الحكم في كانون الثاني المقبل، قد يكون اكثر مرونة في التعاطي مع اي حكومة تضم ممثلين لحزب الله، الامر المرفوض بشدة من قبل ادارة الرئيس دونالد ترامب اليوم، وهو ما يعرفه الحزب والحريري، وقد أخذه في الاعتبار ابان وضعه مسودّته الحالية…