كتب حسين أيوب في موقع “180post” مقالاً تحت عنوان: “ضباط أربعة” جدد و”لعب أولاد”.. في بلد مهدد بالإنفجار، جاء فيه:
يعيش لبنان حالة فوضى سياسية وإقتصادية ومالية وقضائية عارمة. لبنان على أبواب فوضى إجتماعية ستتحول إلى قلاقل متنقلة وحراك عنفي لا يشبه أبداً ما حصل في 2015 و2019. لكن هناك من يريد حرق المراحل والدفع بسرعة نهو الإنفجار الكبير.
فتح الملفات قد يكون مطلب كل اللبنانيين، لكن بأي إتجاه؟ بأي معيار؟ لأية أهداف؟ لأية نتائج؟ أما أن يجري فتح الملفات إستنسابياً من قبل فريق ومن ثم يرد فريق آخر بالتلويح بفتح ملفات مقابلة، ويتحول المحققون والقضاة إلى كرة قدم يركلها اللاعبون السياسيون بهذا الإتجاه أو ذاك، فهذا المسار كله لا يشي بعدالة ولا حقيقة ولا من يحزنون. يسري ذلك على قضية إنفجار مرفأ بيروت وعلى كل منطق فتح الملفات بشكل إنتقامي.
رُمي الضباط الأربعة في السجن أربع سنوات، خرجوا بعدها أبرياء. كان المطلوب كبش محرقة بعد جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وزحف جمهور لبناني كبير إلى ساحة 14 شباط ثم 14 آذار. شكل التحقيق الدولي مُدعماً بنفوذ السفراء والقناصل ذريعة لإختيار “الضحايا”، قبل أن ينتزعوا براءتهم كما سوريا بعد أربع سنوات، ليصبح حزب الله صاحب الحق الحصري بالإتهام السياسي!
لا أحد يدري حتى الآن ما هي “القناعات” التي جعلت القاضي فادي صوان يدعي على رئيس حكومة تصريف الاعمال اللبناني وأربعة وزراء، فلا “يُبحر” أبعد من “سنسول” الشبهة الإدارية، ويدعي على من يصعب إتهامهم جنائياً ويبرىء من يسهل إتهامهم بالوقائع والأدلة والمراسلات. عملياً، إنسحب منطق العام 2005 على العام 2020. أيضاً هناك من يريد “كبش محرقة” للرأي العام الغاضب بعد تدمير عاصمته في 4 آب 2020. مجدداً، لا بد من “ضباط أربعة”، فكان أن إختارهم المحقق العدلي: السني حسان دياب رئيس حكومة تصريف الأعمال، الشيعيان علي حسن خليل وغازي زعيتر. الماروني يوسف فنيانوس. ربما سها عن بال المحقق العدلي أن الشهداء والجرحى والمعوقين وكل من دمر منزله في جريمة بيروت، لن يُنصفوا إلا في لحظة إصدار حكم قضائي يحدد المسؤوليات من لحظة خروج شحنة الموت من جورجيا إلى لحظة إنفجارها في بيروت، لكن الإستنساب، وللأسف، يحوّل هكذا قضية إلى متاريس طائفية، وبالتالي، لن يكون مستغرباً أن نرى من بعدها خطوط التماس ومشاهد الحرب الأهلية، لكأن المطلوب تدمير ما لم يدمر من أحياء ومناطق العاصمة وإعادة تدمير ما تم تدميره وصولا إلى محو آثار الجريمة والتعمية الكاملة على تفجير مرفأ بيروت.
قبل أيام قليلة، قال رئيس الجمهورية أمام القضاة الذين إستقبلهم في القصر الجمهوري إنه يريد رؤية نبيه بري ووليد جنبلاط في السجن. سارع بعض المشاركين إلى نقل ما جرى حرفياً. صدرت مقدمة قناة “إن بي إن” وكانت ممهورة بختم عين التينة. قرر وليد جنبلاط التريث. رسائله عبر قناة “الجديد” كانت حمالة أوجه كثيرة، ولا سيما لجهة التحذير من إعادة تكرار حرب الألغاء.
برغم إنطباع كثيرين أن القاضي فادي صوان ليس محسوباً على القصر الجمهوري، لكن الإدعاء الصادر عنه غلب عليه الطابع السياسي. من إستمع إلى عدد من خطباء الجمعة اليوم في العاصمة والشمال والبقاع وصيدا وإقليم الخروب، يدرك لماذا قرر سعد الحريري ومفتي الجمهورية التضامن مع حسان دياب وقبلهم نجيب ميقاتي. من يعرف طبيعة العلاقة التي تحكم قيادة حزب الله بحركة أمل، يدرك أن أمر تفكيك العلاقة بين هذين التنظيمين تحتاج إلى ما هو أقسى من حرب تموز بعشرات المرات. لذلك، كان طبيعياً أن يعلن حزب الله تضامنه مع من تم الإدعاء عليهم، بمعزل عن الصح أو الغلط، وفي ذلك أوضح إشارة إلى أن المطلوب التفتيش عن “القطبة المخفية الكبيرة” وراء قرار القاضي صوان وحصر القضية في حدود “الضباط الأربعة الجدد”!
هل في ظل هكذا مناخ يمكن أن تتشكل حكومة في لبنان؟
الجواب حتماً لا.
هذا مناخ يأخذ لبنان إلى مطرح خطير جداً، لا سيما في غياب ضابط الإيقاع الداخلي والخارجي. جرّب إيمانويل ماكرون أن يقلّد دور غازي كنعان أو رستم غزالة. بلغ به الأمر حد إتهامه من بعض القيادات اللبنانية بأنه “قليل الأدب والتهذيب”. لعبة كباش خرج منها الفرنسيون خاسرين، أقله بحسابات أهل السياسة في لبنان، لكن الخاسر الأكبر فعليا هو لبنان. هل ستنهار قيمة اليورو في أوروبا وهل سيتوقف البنك المركزي الفرنسي عن دعم الرغيف وهل سيشعر الفرنسيون بعد فشل مبادرتهم بالخطر على ودائعهم؟
وسط هذا الخراب الكبير، يتوجه رئيس الوزراء المكلف إلى القصر الجمهوري، حاملاً صيغة حكومية للمناورة. أبلغ بعض القوى مسبقاً أن الأسماء التي سيضعها بعهدة رئيس الجمهورية ليست هي الأسماء الحقيقية. إنها مجرد مناورة. شكل حكومة من 18 وزيراً. إختار 9 وزراء مسلمين هم أربعة شيعة: يوسف خليل وجهاد مرتضى عن حركة أمل ومايا زاهي كنعان وإبراهيم خليل شحرور عن حزب الله. ربيع نرش عن الدروز (الخارجية والزراعة) بالإضافة إلى أربعة وزراء سنة هم إلى الحريري، لبنى عمر مسقاوي، فراس ابيض ورابع رفض ميقاتي تسميته فتردد أن الحريري طرح مكانه إسما من آل شاهين من العاصمة.
أما الأسماء المسيحية التسعة، فقد إختار الحريري ستة أسماء من ضمن لائحة كان رئيس الجمهورية قد سلمه إياها لكنه قرر التنصل منها كلها بعد فرض العقوبات الأميركية على جبران باسيل (تضم أمثال سليم ميشال إده وشارل الحاج)، فضلاً عن وضاح الشاعر (ماروني) عن تيار المردة، ومرشح مسيحي عن الحزب القومي ومرشح الحريري لوزارة الداخلية القاضي الأرثوذكسي زياد أبي حيدر.
من يدقّق بهذه اللائحة الحريرية يجد أنها كانت مفخخة وهي قُدمت إلى ميشال عون من أجل حرقها ورفضها، بمعزل عن الأسماء التي تضمنتها وبعضها تمت تسميته فعليا من مراجع معنية مثل يوسف خليل وجهاد مرتضى (من ضمن لائحة تسلمها الحريري من عين التينة)، ويسري ذلك على مرشحين آخرين، علما أن حزب الله رفض تسمية أي مرشح قبل إنجاز التفاهم على الأسماء المسيحية، وقال إنه غير معني بتشكيلة الحريري لا من قريب ولا من بعيد إلا في ضوء التفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف!
وفي المعلومات أن رئيس الجمهورية سأل الحريري: هل تفاهمت مع حزب الله على إسمي وزيريه، فكان جواب الرئيس المكلف أن الحزب لم يسلمه إسمي وزيريه وأن ذلك يسري على آخرين. عند هذا الحد قال له رئيس الجمهورية: إذهب وتفاهم مع الشيعة (حزب الله وامل) ثم مع الدروز (وليد جنبلاط وطلال ارسلان) ومع المسيحيين (جبران باسيل وسمير جعجع تحديداً) وبعد ذلك سلمني اللائحة التي تتفاهم مع الجميع عليها. لم يكتف عون بالقول بشكل واضح إنه من موقع الشراكة لن يقبل بأقل من سبعة وزراء (الثلث الضامن) بل قال للحريري أنا رئيس جمهورية كل لبنان وأنا لي رأيي بكل الوزراء المسلمين والمسيحيين من موقع الشراكة في تأليف كل الحكومة وليس فقط تسمية الوزراء المسيحيين!
فهم الحريري الرسالة. المطلوب منه أن يتواصل مع جبران باسيل وأن يعطيه الثلث المعطل، وهذا ما لا قدرة له على إحتماله. في المحصلة، أعطى عون لزائره الكريم كل الإشارات التي تؤكد أنه ليس مستعجلا تأليف الحكومة. بدروه، أعطى الرئيس المكلف لرئيس الجمهورية ما ينتظره من إشارات حول نيته عدم التأليف. لم يكن الحريري متمسكاً بالأسماء المسيحية، وقال لرئيس الجمهورية إنه يستطيع أن يزيد وينقص وأن الأساس هو العدد (ستة وزراء)، أي انه لن يعطي رئيس الجمهورية أو جبران باسيل الثلث المعطل، تاركاً الباب مفتوحاً على تعديل الحقائب (الدفاع، الطاقة، التربية، الصناعة، الثقافة، البيئة وهي الحقائب التي عرضها الحريري على عون).
ما تم تسريبه عن مضمون المناقشات بين عون والحريري وردة فعل الأول الإنفعالية على كلام الثاني أمام الصحافيين في القصر الجمهوري والتي كانت السبب في صدور بيان القصر الجمهوري الخارج عن المألوف، تشي كلها بأن ما يجري هو “لعب أولاد” بكل معنى الكلمة.
لا حكومة في لبنان المهدد بأكثر من الإنهيار. المعادلة التي ذكرناها في مقالة سابقة ما زالت قائمة: داخلياً، لا حكومة برئاسة الحريري من دون حزب الله. خارجياً، لا حكومة إلا من دون حزب الله.. وللبحث صلة