على ركام المرفأ
الحاجة والضرورة تحتمان فتح التحقيقات على مصراعيها للوصول إلى من يتحمل مسؤولية الانفجار، وتدمير أحد أهم معالم ومرتكزات لبنان. لكن الأهم أن لا يساق الأمر إلى مسار سياسي وأحقاد سياسية.
فالتوتر السياسي على أشده بين القوى المختلفة، وكل طرف يحاول جمع قواه. والمواقف معروفة، وأضيف إليها يوم الجمعة موقف حزب الله الذي رفض تحميل رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وحده المسؤولية.
صحيح أن لدى رئيس الجمهورية حصانة ووضع خاص، ولكنه كان يعلم وتلقى الكثير من التقارير، لم يأت القضاء على تقديم أي إشارة حول الأمر.
تهم واسقاطات طائفية
مؤسف ما وصل إليه الوضع في لبنان: كل طرف سياسي يتناول أي ملف من خلفية مذهبية وطائفية. ومنذ الانفجار الكارثي، عملت فرق متعددة على اعتبار قضية المرفأ قضية مسيحية في أساسها.
منذ الحديث عن أن الانفجار أصاب الجميزة ومار وخايل والتباريس والأشرفية ودمرها، من دون الحديث عن مناطق أخرى، ووصولاً إلى الكلام عن عدم مساعدة أبناء تلك المناطق.
هذا كلام يؤسس لردود مضادة: منح الكلام فرصة لاتخاذ المدعى عليهم من قبل المحقق العدلي فادي صوان، للوقوف خلف الطائفة ردّاً للتهم.
ما يدفع بالمحسوبين على المدّعى عليهم إلى اعتبار أنفسهم مستهدفين طائفياً. فالإدعاء توجه إلى رئيس حكومة، ووزيرين من فريق سياسي واحد، إضافة إلى الوزير يوسف فنيانوس، والذي يندرج في حسابات الطوائف بأنه غير محسوب على الأقوياء، أو في المنطق الذي كرّسه العهد بأنه من غير أصحاب التمثيل المسيحي الوازن.
تعود القصة إلى أول كتاب وجهه القاضي صوان إلى مرجعيات سياسية في البلد.
كان الكتاب يتضمن أسماء رؤساء الحكومة السابقين مثلاً، وأسماء أخرى لمسؤولين آخرين.
وبعد تدخلات عديدة واعتراضات، أزيلت أسماء رؤساء الحكومة في الرسالة التي وجهها صوان إلى المجلس النيابي، وضمّنها في الوقت عينه أسماء وزراء العدل السابقين.
وتلك الأسماء لا دعوى عليها. وبالتالي نص الادعاء ناقض في الكتاب الاول.
والرسالة الثانية ستؤسس للمزيد من الانقسامات.
استضعاف حسان دياب؟
لا يمكن فصل أي ملف عن السياسة في لبنان.
الحملة واضحة واتجاهها واضح أيضاً.
وهنا يطرح سؤال أساسي حول خلفية الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب: هل لحسابات سياسية وبسبب الخلافات الأخيرة بينه وبين عون، ورفض اجتماع حكومة تصريف الأعمال؟ أم هناك حسابات أخرى، يدفع دياب ثمنها باعتباره الحلقة الأضعف؟
لا أحد يمتلك جواباً واضحاً حول ما يجري.
لكن الأكيد أنه يؤسس إلى مزيد من الشرخ والصراعات التي تقدم صورة سوداوية عن الواقع اللبناني المقبل.
مبدئياً يرفض دياب المثول أمام القاضي الأسبوع المقبل. ولكن لا بد من رصد تداعيات عدم مثوله.
وهذا في حدّ ذاته يؤسس إلى معركة كبرى عنوانها رفض الاستنسابية.
وهكذا تضيع حقيقة انفجار المرفأ وحقوق المتضررين والضحايا.
كل ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدمير والتخريب. وستكون القضية باباً جديداً لتكريس الشرخ بين رئيس الجمهورية والقوى الأخرى، بما فيها دياب الذي كان محسوباً عليه.
وبيان حزب الله مؤشر على التمايز عن موقف عون، ووقوفه إلى جانب برّي.
مع العلم أن حزب الله، قبل هذه الخطوة، كان إلى جانب عون وعلى اختلاف مع رئيس المجلس حول جملة ملفات. وبهذه الطريقة فقط يضيع التحقيق في انفجار المرفأ، ويتم اصطناع التعتيم على الحقيقة.