في اليوميات اللبنانية، العدالة هي الضحية الأولى والأخيرة
12 ديسمبر 2020
تغنّى عدد من الناشطين الأجانب على موقع تويتر بقرار القضاء اللبناني الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، في جريمة مرفأ بيروت. منهم من اعتبر أنّ لبنان جنّة للقضاء واستقلاليته.
ومنهم من تمنى العيش فيه، ومنهم من أشاد باللبنانيين ودولتهم. ناشطون ومعلّقون، مساكين، على الأرجح لم يتسنّ لهم الاطلاع على أخبار اليوم في قيام محاور الاصطفاف الطائفي والمذهبي كالعادة، دفاعاً عن شخص أو موقع.
لو اطّلعوا عليها، لاستنكروا. ولو بحثوا قليلاً في أحداث قريبة، لصُدموا وسحبوا ما نشروه.
حصان طروادة احتضن زعماء الطائفة السنية، رؤساء حكومات سابقين ودار الفتوى وسياسيون، الرئيس المدّعى عليه.
حلفاء وخصوم الطائفة الواحدة جبلوا أنفسهم وشكّلوا جبهة واحدة بعنوان أنّ موقع رئاسة الحكومة ليس مكسر عصا لأيٍ كان، لأي طائفة أخرى، لأي قاضٍ، لأي محاسبة أو جرم.
تحوّل غريب الأطوار شهدته الساحة السنية، التي اعتبرت سابقاً أنّ الرئيس المدعى عليه حصان طروادة حزب الله والتيار الوطني الحر، خائن ومنفّذ أجندة الإطاحة بالدولة وتكريس هيمنة الحزب على الرئاسات والحكومة والدولة والمؤسسات، وهيمنة إيران على لبنان.
تحرّك رؤساء الحكومة السابقين، إن كان يدلّ على شيء فعلى أمرين: أولاً، أنّ لا كلمة سوى لحكم الحظائر الطائفية.
وثانياً، أنّ أي ادعاء أو محاسبة في المستقبل لأي رئيس للحكومة لن يمرّ، وسيلقى الاصطفاف المذهبي البحت الذي شهدته بيروت اليوم.
سلوك جماعات الطوائف ليس ما جاء في مواقف القيادات السنية مواقف فردية، بل نهج عام يلجأ إليه المسؤولون اللبنانيون من مختلف الطوائف عند أي مفترق أو حدث سياسي.
اليوم هبّت قيادات الطائفة السنية للدفاع عن موقعها رئاسة الحكومة، وقبلها انتفضت القيادات المسيحية في أكثر من مناسبة دفاعاً عن موقع رئاسة الجمهورية.
رغم كل مآسي ما حصل في بعبدا على مدى عقد ونصف العقد من الزمن، لم تجرؤ أي قوة مسيحية على الاعتراض ودعوة الرئيس أيٍ كان إلى الاستقالة.
هو مبدأ كرّسته قيادة 14 آذار التي، بعظمتها وقوّتها وتمثيلها، لم تجرؤ على قرع أبواب قصر بعبدا لإخراج الرئيس إميل لحود منه عام 2005. انصاعت يومها تلك القيادة إلى موقف البطريركية المارونية، فتمّ تكريس العرف.
أما في رئاسة مجلس النواب فقصة أخرى، حُسمت بالنار والبارود حيناً وبالتفاهمات والمسلّمات السياسية حيناً آخر.
فلم يجرؤ أي نائب شيعي على الترشّح لرئاسة البرلمان طوال ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن.
حتى على سبيل “التمثيل” والإخراج المسرحي، لم يحصل ذلك. حماية الرئاسات اللبنانية، لما تمثّله طائفياً ومذهبياً، قاعدة عامة، عرف سياسي، سلوك جماعي عند الطوائف، بما يعنيه فعلياً من حظائر مذهبية وخطوط حمراء قادرة على إشعال اقتتال أهلي.
الحقوق الضائعة ولا يقتصر العودة إلى تلك الحظائر المكرّسة فعلاً على الرئاسات، إذ يمكن أن يتعدّاها ليلامس أي ملف سياسي. في قانون الانتخاب، عودة إلى الطائفة وحقوقها وتمثيلها بالمطلق. في التعيينات، كذلك.
في تشكيل الحكومات، وضوح تام لهذه الردّة. حقوق المسيحيين، حقوق السنة، حقوق الدروز، حقوق الأقليات. كلها حقوق ضائعة في بلد تحكمه الحقوق، يميناً ويساراً، عند المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء.
حقوق مبيّتة منعت المحاسبة سابقاً وتمنعها اليوم أيضاً.
تعيق العدالة في جريمة 4 آب.
فماذا عن حقوق أكثر من 200 من الضحايا؟ أكثر من 6000 من الجرحى؟ أكثر من 300 ألف من المتضرّرين؟ أين الحق العام؟ حقوق إضافية ستضيع.
لا بد أن تضيع في غابة حقوق المذاهب والطوائف وردّاتهم المفتعلة.
هي ردّات متعمّدة لطمس أي تغيير، لقطع أي نفس يمكن أن يدخل إلى رئة اللبنانيين المساكين الذين يبحثون عن حقوقهم بالحياة والعيش والتجوّل واقتناء المنازل وتعليم أبنائهم وحمايتهم، والدفاع عن أنفسهم بوجه مجرمين يمارسون القتل العمد المباشر وغير المباشرعلى مدى عقود.
في جريمة المرفأ، قتلة ومسؤولون مباشرون وآخرون غير مباشرين.
رفع الغطاء عن القتلة واجب المؤسسات الدينية، أولاً.
ضمان العدالة وتطبيقها من الأحكام الشرعية والأخلاقية والإنسانية، ثانياً.
أما تأمين الغطاء للمجرمين فممارسة طائفية بغيضة حاصلة اليوم.
في قضية انفجار المرفأ، مئات آلاف الضحايا.
في اليوميات اللبنانية، العدالة هي الضحية الأولى والأخيرة.
هذا ما يمكن استخلاصه من رد الفعل الطائفي على ادّعاء القاضي فادي صوّان.
العدالة لن تحقّق في جريمة المرفأ ولا في تحصيل حقوق ضحاياها، ولا في أي ملف آخر.
تفجير النائب مروان حمادة ومي شدياق وإلياس المرّ. تفجير الشهداء جورج حاوي وسمير قصير ووليد عيدو ومحمد شطح وأنطوان غانم ووسام الحسن ووسام عيد وفرانسوا الحاج، كلها جرائم من دون عدالة ولا قصّاصات تحقيقات.
راجعوا حكم المحكمة الدولية في الجريمة الفردية والشخصية التي نفّذها سليم جميل عياش يوم 14 شباط 2005. فهنا دولة اللا عدل، واللا عدالة.