بعد عشرة ايام بالتمام سيحطّ عراب انقاذ لبنان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بيروت للمرة الثالثة منذ ارتكاب المسؤولين اللبنانيين جريمة انفجار بيروت التي عوض ان يتحملوا مسؤوليتها وينكفئوا خجلا مما اقترفت ايديهم، يمضون في “الفجور” السياسي وفي صراعاتهم البغيضة على مقعد وزاري وحصة اكبر من قالب الجبنة الحكومية.
سيعود الرئيس العرّاب مجددا من دون ان تتضح اسباب عودته ما دامت المنظومة السياسية الفاشلة لم تتقدم خطوة واحدة في اتجاه الشروع في تطبيق مبادرته الانقاذية، كون انشغالاتها كثيرة في تراشق تهم المسؤوليات والفساد وفضح صفقات بعضها البعض وتحريك العصبيات السياسية والمذهبية كلما دعت الحاجة لاستخدام هذا السلاح وشدّ عصب الشارع.
في زيارتيه الاولى والثانية صعد ماكرون لهجته الى الدرجة الاعلى وصولا الى اتهام المسؤولين بالخيانة الوطنية، فما الذي سيقوله بعد.
هو حتما يعود من اجل الشعب الذي جمع لأجله دول الدعم وانشأ واياها صندوقا لمساعدته مباشرة عبر المنظمات الدولية بعدما انعدمت الثقة بالطبقة الحاكمة التي هدرت المساعدات ووزعتها على حاشياتها تاركة ابناء العاصمة يصارعون الموت والعراء والجحيم.
لم يحرك المسؤولون ساكنا تهيّبا للزيارة الفرنسية الرئاسية المدعومة اوروبيا، ولا تحركوا في اتجاه النزول عن اشجار شروطهم ومطالبهم للافراج عن حكومة الانقاذ.
بقي لقاء الاربعاء الرئاسي من دون نتيجة وزاد الطين بلّة ادعاء قاضي التحقيق في جريمة انفجار المرفأ فادي صوّان على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وثلاثة وزراء، قامت الدنيا ولم تقعد وتحول الادعاء الى قضية طائفية مذهبية وحرب رئاسات.
الرئاسة ترد: وفي السياق، اكد مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ان المرة الاولى التي اطلع فيها الرئيس عون على وجود كميات من نيترات الأمونيوم في المستودع رقم 12 في مرفأ بيروت كانت من خلال تقرير للمديرية العامة لأمن الدولة وصله في 21 تموز الماضي.
واكد في بيان ردا على ما نشرته “وسائل إعلام مرئية ومقروءة ومسموعة، من تصريحات وتحليلات تضمنت ادعاءات حول مسؤولية ما يتحملها رئيس الجمهورية في موضوع التحقيقات في التفجير الأليم الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، وما خلفه من شهداء وجرحى وأضرار جسيمة في العاصمة :
أولا: المرة الأولى التي اطلع فيها رئيس الجمهورية على وجود كميات من نيترات الأمونيوم في المستودع رقم 12″ في مرفأ بيروت كانت من خلال تقرير للمديرية العامة لأمن الدولة وصله في 21 تموز الماضي. وفور الاطلاع عليه، طلب الرئيس عون من مستشاره الأمني والعسكري متابعة مضمون هذا التقرير مع الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع الذي يضم الأجهزة الأمنية كافة والوزارات المعنية. وهذا ما تم بالفعل وفقا للقانون والأنظمة المرعية الاجراء.
وقد أبلغ الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع في 28 تموز 2020 المستشار الأمني والعسكري إنه يعالج الموضوع، وإنه أرسل كتابا الى وزارة الاشغال، تسلمته يوم الأثنين في 3 آب 2020.
ثانيا: لم يتدخل رئيس الجمهورية لا من قريب ولا من بعيد في التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق العدلي في جريمة التفجير، وإن كان دعا أكثر من مرة الى الإسراع في إنجازها لكشف كل الملابسات المتعلقة بهذه الجريمة وتحديد المسؤوليات، لا سيما تجاه أفراد عائلات الشهداء والمصابين الذين فقدوا أحباء لهم وأقرباء، ومن حقهم معرفة المسؤول عن الكارثة التي حصلت.
ثالثا: خلال الاجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية مع مجلس القضاء الأعلى يوم الثلثاء الماضي، لم يتطرق الحديث الى التحقيق في جريمة المرفأ، وبالتالي فإن كل ما يروج عن أن الرئيس عون طلب التدخل في التحقيق، هو كلام كاذب لا أساس له من الصحة لأن البحث في هذا الاجتماع اقتصر على عمل المحاكم وضرورة تفعيلها وغيرها من المواضيع التي تهم مجلس القضاء الأعلى”.
الراعي..هذا هو الفساد: أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “ان السلطة عندنا في لبنان أصبحت منظومة سياسيّة حاكمة، فسقطت وحرمت نفسها من ثقة الشعب والعالم، لأنّها لم تكن عفيفة، بل جاءت لتستملك المال العام والشعب والدين فأفرغت الخزينة، ورمت الشعب في البؤس، وسيّست الدين والطوائف وجعلتها بغيضة، هذا هو الفساد بالذات.
ورأسه عدم تشكيل حكومة من اختصاصيّين من دون انتماءاتٍ حزبيّة، لا كما رأينا في الصحف، إذا صدقت، حقائب موزَّعةٌ على الأحزابِ والتيّاراتِ والكُتلِ النيابيّةِ على الأُسسِ ذاتِها التي كانت تُعتمَدُ في تأليفِ الحكومات السياسيّة السابقة.
أضاف في العظة التي القاها خلال ترؤسه قداس تكريس كابيلا مار يوسف في المستشفى اللبناني الجعيتاوي الاشرفية: “كيف يُشرح لنا هذه التناقض الّذي سيؤدّي بها حتمًا إلى الفشل.
أيّها المعنيّون مباشرةً بتأليف الحكومة كفاكم لعبًا بالوقت الضائع وبمصيرِ الوطنِ وحياةِ الناس.
كونوا أكثر جديّة! ألّفوا حكومةً بالتشاورِ لا بالتَضادّ.
ألّفوا حكومةَ إنقاذٍ من اختصاصيّين مستقلّين وذوي كفاءةٍ عالية، فتبدأ بالإصلاحاتِ، لعلَّ البلادَ تعود إلى دورتِها الطبيعيّة، بأسرع ما يمكن.
وكيف نكافح الفساد ونحن نشاهد تعطيل عمل القضاء الحرّ والمسؤول عن هذه المكافحة، بتلوينه طائفيًّا ومذهبيًّا وسياسيًّا”.
وختم: “قلنا أنّ أولى مقوّمات “الحياد الناشط”، الّذي هو باب خلاص لبنان، تكوين سيادة الدولة بسلاحها الشرعيّ وفرض القانون والعدالة على الجميع.
إنّنا في هذه الموجة العارمة بوجه القضاء الملتزم بممارسة واجبه، ندعو السياسيّين إلى تحييد لبنان عن تسييس الدين والطائفة، من أجل حماية الوحدة الداخليّة والمساواة في دولة القانون، بل ندعوهم إلى تحييد ذواتهم”.
جعجع: وليس بعيدا، أشار رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع خلال لقائه وفداً من كوادر منطقة بيروت في حزب “القوّات اللبنانيّة”، إلى أن “الجميع يرى كيف أن التحقيقات في جريمة انفجار بيروت الكارثة محتدمة في الأيام الأخيرة وهذا الأمر كان متوقعاً بالنسبة لنا لسبب بسيط وهو أن المسؤوليّة تقع في انفجار المرفأ على الدولة اللبنانيّة ككل، لأن الكثير من الإدارات والأجهزة والمؤسسات لها علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر على مدى 6 سنوات بهذا الملف وبالتالي يمكن أن نتخيّل عدد المسؤولين في الدولة الذين لهم علاقة بهذه الجريمة المتمادية، وانطلاقاً من هذا الأمر طالبنا منذ اللحظة الأولى بلجنة تقصي حقائق دوليّة ولكن للأسف أول من عارض هذا الطلب هو “حزب الله”، ولا أدري حتى هذه الساعة سبب معارضته له، ليقوم بعدها بالالتحاق به بهذا الموقف المعارض أفرقاء آخرون في حين أن المسؤولين في الدولة لم يتجاوبوا معنا”.
وجدد جعجع الدعوة، في هذه المناسبة لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بالدرجة الأولى ولحكومة تصريف الأعمال في الدرجة الثانيّة ولأي حكومة عتيدة ستأتي أن يرسلوا طلباً للأمين العام للأمم المتحدة بواسطة أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لتشكيل لجنة تقصي حقائق في هذه الجريمة.
المجلس الشرعي: اما خط الادعاء على دياب، فشهد مزيدا من ردود الفعل من الطائفة فتوقف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في جلسة برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى “بقلق شديد أمام عمليات الالتفاف المتكررة على الأسس والقواعد الدستورية التي تنظّم عمل السلطات السياسية وتحدّيد صلاحيات كل منها وقواعد التعاون فيما بينها”.
وحذّر من أن “التمادي في خرق هذه الأسس والقواعد، ومحاولة فرض وقائع جديدة استجابة لمزاجية شخصية ومصالح فئوية خاصة، يوجه طعنات مدمّرة الى النظام السياسي الذي ارتضاه اللبنانيون والذي يقوم على مبدأ عمل السلطات وتحديد صلاحيات كل منها وقواعد التعاون فيما بينها.
كما انه يهدد صيغة العيش المشترك، ويوجّه طعنات مدمرة للمبدأ الذي تقوم عليه دولة الدستور والمؤسسات”.
وحذّر المجلس أيضاً من ان “الإصرار على هذه التجاوزات اللادستورية واللاوطنية يتكامل مع الانهيار الاقتصادي والمالي ومع الشلل السياسي الذي يعاني منه اللبنانيون وكأن الغاية السوداء هي جرّ لبنان، دولةًومجتمعاً، الى هاوية لا قرار لها، بدلاً من التعاون المخلص والصادق على حشد كل الطاقات والإمكانات للنهوض به، وإعادة الاعتبار اليه، وطنا للعيش المشترك ومنبرا للحرية واحترام كرامة الإنسان”.
واكد المجلس ان المس بمقام رئاسة الحكومة يطال كل اللبنانيين لا طائفة فحسب وما جرى من ادعاء مغرض على رئيس الحكومة هو مؤشر خطير يرمي الى غايات ونوايا سياسية معروفة الأهداف للنيل من الرئاسة الثالثة”.
القضاء الاعلى يدافع: من جهته، أكد مجلس القضاء الأعلى في بيان إنه لمن المستغرب جداً، أن تصبح آلية تعيين رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، المنصوص عليها في القوانين النافذة المرعية الإجراء، مأخذاً على المجلس، بقصد اتّهامه بغير وجه حقّ بالتبعية للسلطة التي عيّنته، ومن دون النظر إلى أدائه ونتيجة عمله.
كما يؤكد على أنه لا يصحّ إتّهام أي قاضٍ بالتسييس جزافاً، إذ تبقى العبرة في عمله وأدائه الخاضعين للرقابة والمساءلة مؤسساتياً.
ويهيب بوسائل الإعلام ضرورة توخي الدقة في ما يتم نشره من معلومات وتقارير تتعلق بملفات قضائية، والتثبت من صحة هذه المعلومات، عبر أمانة سرّ مجلس القضاء الأعلى”.