ما رمت اليه الردود المباشرة وغير المباشرة البارحة، الافصاح عن مشكلة جديدة لم تعد في الصيغ المتداولة لتأليف الحكومة، بل في تعذر التعايش جنباً الى جنب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري حتى نهاية الولاية. من دون توقيع عون لن يصبح الحريري رئيساً للحكومة، ومن دون اعتذار الحريري او تراجعه عن شروطه سيمضي الرئيس ما تبقى من ولايته في فراغ حكومي غير مسبوق ومكلف للغاية. من شأن التوتر المفاجىء بينهما امس ايصاد الابواب دونما اي اجتماع قريب يحمل الرقم 13. انتهى لقاؤهما الاخير الى ان القى كل منهما في وجه الآخر لائحة بتصوّره للحكومة الجديدة: معايير عون في مقابل مسودة الحريري، على ان يصغي كل منهما في الاجتماع التالي الى اجوبة الآخر. في ضوء تراشق البارحة افصحا سلفاً عن اجوبتهما، ما يجعلهما في غنى عن اي اجتماع تال.
مع ان المادة 53 من الدستور تحدد بوضوح نطاق الصلاحيات المعطاة الى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف كي يؤلفا حكومة جديدة، بيد ان النزاع الناشب بينهما وضع المادة تلك في مأزق دستوري حقيقي. في ظل اصرار كل منهما على شروطه المعطوفة على عناد شخصي كأنه يغامر بورقة عمره، لا حل بلا اي مرجعية دستورية قادرة على التوصل اليه. انتهى دور مجلس النواب ما ان سمت غالبيته مرشحها لترؤس الحكومة. ابان الحقبة السورية كان في وسع دمشق فرض تأليف الحكومة على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف معاً، او فرضه على احدهما تبعاً لارادتها ومصالحها وحصتها خصوصاً. الدور الذي لم يسع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاضطلاع به، وإن معنوياً، ما بين زيارتيه الاولى والثانية في آب الفائت، ثم قبل زيارته الثالثة الاسبوع المقبل.
يستمد رئيس الجمهورية قوة صلاحيته من انه آخر مَن يوقّع مرسوم تأليف الحكومة، فلا يصدر من دونه ومن غير تقييده بمهلة توقيعه واصداره. بدوره الرئيس المكلف يعزو تشبثه بالتكليف – ما دام لا آلية لمجلس النواب وهو صاحب التفويض لانتزاعه منه – الى ان لا مهلة تلزمه الاعتذار او تفرضه عليه.
بذلك يدور المأزق الدستوري في فلك بضعة معطيات منها:
4 – لم يعد تأليف الحكومة اسير المبادرة الفرنسية التي تبخرت او اوشكت. الزيارة الثالثة للرئيس الفرنسي حاصلة في معزل عنها تماماً، وهو ما لحظه برنامجها المعدّ في باريس. على غرار ما فعل سلفاه نيكولا ساركوزي في كانون الثاني 2009 وفرنسوا هولاند في نيسان 2016، يود ماكرون تفقد كتيبة بلاده في القوة الدولية في الجنوب معايداً اياها، من ثم يبيت في قصر الصنوبر وفي الغداة يجتمع برئيس الجمهورية. لا لقاءات بأي من المسؤولين الآخرين او الكتل، كزيارتيه السابقتين، ما عنى انه ادار ظهره لمبادرته هو بالذات، وفصل ما بين دوافع حضوره الى بيروت تبعاً لما عبّر عنه في زيارتيه الاوليين وهو انه يريد انقاذ اللبنانيين رغماً عنهم، وما بين الزيارة الثالثة الموجهة الى جنود بلاده.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.