كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”: إعتبر احد المسؤولين، انّ ضغط الشارع سيضع حكومة سعد الحريري في حال تأليفها، تحت ضغط الشارع من جديد، على غرار مرحلة ما بعد الثورة، بسبب الإجراءات المالية والاقتصادية الصعبة والمؤلمة التي يتحتّم اتخاذها عند استئناف عمل الحكومة المقبلة، محذّراً من أنّ أي خطة اقتصادية سيتمّ وضعها على قياس الانقسامات السياسية، لن تنجح في وضع لبنان على مسار النهوض والخروج من أزمته.
يروي احد المسؤولين اللبنانيين في منظمة دولية، انّه عندما طُرح عليه تولّي إحدى الحقائب الوزارية خلال عمليات تأليف الحكومات في السابق، لم يكن مهتماً للامر، لكن ضميره لم يطاوعه للرفض، وأبدى استعداده لخدمة وطنه والمساهمة في وضع خطة للخروج من الأزمة، مشترطاً ان تكون قراراته كوزير مع حقيبة سيادية، منفردة، وان يتمّ اتخاذها من دون العودة الى أي مرجعية حزبية او سياسية مرتبطة بطائفته. لكنّه جوبه برفض شرطه الوحيد، وفضّل عدم مشاركة المنظومة الحاكمة بالقضاء على ما تبقّى من البلد ونهش فتات ثرواته.
واكّد انّ السلطة الحاكمة مستمرّة في تضييع الوقت، من خلال المزايدات السياسية، علماً انّه لم يعد امامها من مخرج سوى اللجوء الى صندوق النقد الدولي وتطبيق برنامج إنقاذ شامل وواضح، تعتمد فرص نجاحه فقط على الدعم السياسي الكامل لعملية الاصلاح، مشيراً الى انّ دولاً عدّة فشلت في تطبيق برامج صندوق النقد الدولي، نتيجة الانقسامات السياسية، «كما أنّ دولاً عدّة تُعدّ أهمّ من لبنان بكثير ولا ينخرها الفساد مثل لبنان ولا تعاني مؤسساتها واداراتها الاهتراء، وتتمتّع بأسواق مالية افضل من لبنان، وبوضع اقتصادي افضل، فشلت في حلّ مشاكلها وأزماتها من دون اللجوء الى صندوق النقد الدولي».
وذكّر بأنّ استقالة الرئيس سعد الحريري بعد ثورة تشرين الاول، لم تؤدِ سوى الى هدر الوقت، وقد تفاقمت الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وهُدرت خلاله احتياطات مصرف لبنان واموال المودعين، «وقد عدنا اليوم الى النقطة ذاتها، ولكن مع انهيار مالي واقتصادي كبير، زاد أضعافاً صعوبة النهوض والخروج من الأزمة».
وسأل: «اذا كان السياسيون في لبنان غير قادرين على التوصّل الى توافق حول تأليف حكومة، كيف سيتفقون على الإصلاحات التي يشترطها برنامج صندوق النقد الدولي؟».
أضاف: «إن لم تكن هناك جدّية في التعاطي مع خطة الإنقاذ التي سيضعها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع الحكومة، فلا يأمل أحد أن تنجح أي خطة للخروج من الأزمة، لأنّ برنامج الصندوق هو خطوة أولى، ولأنّ الدعم المالي الذي سيوفره لن يصل دفعة واحدة، بل سيكون مقسّماً على دفعات، مرتبطة كلّ منها بشروط معيّنة واصلاحات معيّنة. وبالتالي، في حال استغرق التوصّل الى توافق بين الفرقاء السياسيين على كلّ اصلاح، شهراً او شهرين، فانّ برنامج صندوق النقد الدولي لن يحقّق النتيجة المطلوبة».
وأشار الى انّ الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والمحسوبيات والمحاصصات والصفقات القائمة، ستحول دون امكانية وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة للاقتصاد الكلي، «طالما انّ وزير المالية ينتمي الى حزب معيّن، ووزير الاقتصاد الى حزب آخر وحاكم البنك المركزي الى مرجعيات معيّنة، ستكون الخطة الاقتصادية منقسمة على غرار الانقسامات السياسية».
واعتبر انّ المنظومة الحاكمة وضعت «تركيبة» استفادت منها لمدّة 30 عاماً، من خلال تثبيت سعر صرف العملة المحلية «وهي أكبر جريمة ارتُكبت بحقّ اللبنانيين، لأنّ كافة التشوّهات التي يعاني منها الاقتصاد انعكست في سعر الصرف».
وقال: «لقد منعوا الأسواق المالية في لبنان من التطور والازدهار بسبب تثبيت سعر الصرف. لقد دمّروا ثروة اللبنانيين في الداخل والخارج من خلال تطميناتهم بأنّ الليرة بخير، ومن خلال سيطرة البنك المركزي والمصارف على اسعار الفوائد وسعر الصرف، علماً انّ جميع الفرقاء كانوا على دراية بما ستؤول اليه الامور في نهاية المطاف».
ورأى انّه لو حصلت تلك الأزمة قبل 15 عاماً، لكان الخروج منها أقلّ صعوبة، «إلّا انّ السلطة الحاكمة اشترت الوقت وأجلّت المشكلة الى أن وصلنا الى الانهيار الشامل».
وختم المسؤول قائلاً: «الله يساعد الحكومة المقبلة»، لأنّها مرغمة على اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة جدّاً من ناحية ملف الدعم وتوحيد سعر الصرف وتوزيع الخسائر وغيرها من الاصلاحات المطلوبة، وستواجه ردود فعل عنيفة وغضباً شعبياً كبيراً وتظاهرات وضغوطات اجتماعية. ولكن يجب على اللبنانيين من كافة الطوائف والانتماءات السياسية ان يعوا انّهم ينهضون سويّاً ويسقطون سويّاً، وفي ظلّ تمسّكهم بانتماءاتهم الحزبية والدينية والطائفية قد اختاروا مع لأسف، السقوط الجماعي».