ولم يشكّل تنويمُ الجبهةِ التي اشتعلتْ، الاثنين، على خط رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، في مؤشرٍ إلى انكسار الجرّة بينهما وتَحَوُّلِ ملف التأليف ركاماً، أكثر من هدنةٍ قسْريةٍ أمْلاها إفراغ كلّ منهما ما في جعبته في إطار محاولةِ ترسيم حدود المسؤولية عن تصفير مسارِ التشكيل وانتظارِ الخطوةِ التالية التي يُراهَن على أن تأتي بدفْعٍ من الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت في 22 و23 ديسمبر الجاري، وإلا دَخَلَ لبنان فعلياً في القسم الأحْلك والأخْطر، والذي يصعب العودة بعده، من النفق الذي بات آخِره يوصل إلى شلّال الانهيار الشامل.
وفي موازاة هذا الجانب من الواقع اللبناني المتهاوي، يسود حبْسُ الأنفاسِ بإزاء «المُكاسَرَةِ» القضائية – السياسية – الدستورية التي انزلقَ إليها التحقيقُ في جريمةِ انفجارِ مرفأ بيروت والتي اتخّذت منحى أكثر حدّة بعد طلب الأمانة العامة لمجلس النواب من المحقّق العدلي القاضي فادي صوان، المستندات ذات الصلة بادّعائه على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، للسير بالملف من خلال المجلس الذي يعتبره الرئيس نبيه بري، كما دياب، مدعوماً من رؤساء الوزراء السابقين ودار الفتوى، المرجعَ الصالح في هذا الإطار.
وبعدما جاء ردّ صوان على خطوة بري، بتمسُّكه بطلب استجواب دياب مبلغاً الأخير عبر الأمين العام لمجلس الوزراء أنه سيزوره عند التاسعة من صباح الجمعة للاستماع إلى إفادته كمدعى عليه، في موازاة إعلان أنه سيباشر استجواب حسن خليل وزعيتر اليوم وذلك بعد أن تبلغا أصولاً عبر مراسلة الأمانة العامة لمجلس النواب وكذلك على عنوان منزليهما، على أن يستمع أيضاً إلى رئيس الأركان السابق في الجيش اللواء المتقاعد وليد سلمان، بصفة شاهِد، فإن الأنظارَ تتّجه إلى ما سيُقِدم عليه المحقق العدلي بحال تشبُّث رئيس حكومة تصريف الأعمال وكل من حسن خليل وزعيتر بعدم الاعتراف بدستورية الملاحَقة عبر القضاء العادي، وهل يمكن أن يلجأ إلى خيار الحدّ الأقصى أي إصدار مذكرات جلْب، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات لا يُعرف مداها، أو قد يكتفي بإكمال التحقيق وإصدار قرار اتهامي يضمّنه امتناع المدعى عليهم عن المثول أمامه.
وإذ لم يُعرف في الحالين، كيف سيتعاطى بري مع إصرارِ المحقق العدلي على مسار التحقيق وفق ما يراه، فإن فنيانوس غرّد خارج سرب رافضي المثول أمام صوان، وهو حضر أمس الى قصر العدل في بيروت ليتبيّن أن جلسة استجوابه تأجلت الى موعد يُحدد لاحقاً على أن يتم تبليغه بموعدها أصولاً.
وفي مؤشر إلى أن هذا الملف يشي بأن يتحوّل بقعة زيت ستتمدّد في أكثر من اتجاه، رفع رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام السقف، معتبرين أن خرق الدستور بصورة متعسفة، يُخشى أن يؤدي إلى خلل كبير في الركائز التي يقوم عليها الكيان اللبناني، معتبرين في بيان لهم إذا أراد قاضي التحقيق أن يعتبر ذلك جرماً عادياً، وهذا غير صحيح، فإنه ايضاً ينطبق على فخامة الرئيس عون بسبب تماثُل الفعلين بالإحجام عن درء الخطر قبل وقوعه، وداعين إلى تحقيق محايد تتولّاه لجنة تحقيق دولية نتيجة تخوّفنا من وضع القضاء اللبناني تحت ضغوط التمييع والتسييس والتطييف والابتزاز الداخلي.
إضغط هنا لقراءة النص: