لم يعد الأمر يحتاج الى كثير من الذكاء والتفسير، فالحريري شكا التعطيل الى البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي إستوضح الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا أمس، فسمع عكس ما أبلغه إياه الحريري، وخرج الى الاعلام ليؤكد أن “رئيس الجمهورية لا يريد الثلث المعطل، وهو غير موجود بالدستور، خصوصا أن الحكومة هي من الاختصاصيين وغير الحزبيين، ولو كانت سياسية لجاز الحديث عن الثلث المعطل”.
لم يكد الراعي ينهي زيارته الى بعبدا، حتى وجد باسيل في الصرح البطريركي ليقدم له تفسيرا للكلام الذي سمعه من رئيس الجمهورية وتقديمه له وفق الصيغة التي تناسبه، تحت شعار: “وحدة المعايير والمفاهيم وإحترام الميثاقية”، وهو شعار لم يعد أحد من اللبنانيين يفهم مضمونه وأهدافه، سوى أنه ترجمة لـ”الثلث المعطل” الذي يسعى باسيل للحصول عليه.
زيارة باسيل الى الصرح البطريركي يمكن مقاربتها من عدة إتجاهات، الأول أن الرئيس عون أبلغ البطريرك الراعي بأنه لا يريد الثلث المعطل لنفسه، لكن عليه أن يبحث الأمر الحكومي مع باسيل على قاعدة “قوم بوس تيريز”، ما يعني أن الزيارة البطريركية الى بعبدا كانت صورية بينما كان النقاش الأساسي في الصرح مع باسيل.
والثاني أن يكون هناك تبادل أدوار بين عون وباسيل.
والثالث أن عون قال ما لديه للراعي، قبل أن يدخل باسيل على الخط ويتسلم زمام المبادرة في التأكيد للبطريرك على تمسكه بوحدة المعايير، وذلك إما أنه نجح بإقناع عون بوجهة نظره أو أنه تجاوزه.
إذا كان باسيل أقنع عون، يكون ما كشفته مصادر الحريري صحيحا، لجهة أن الرئيس المكلف في كل لقاء من اللقاءات الـ 12 التي عقدها مع رئيس الجمهورية كان يبدأ من الأول وذلك بفعل تدخل باسيل والقيام بالتشويش على ما يتم الاتفاق عليه بين الرئيسين.
وإذا كان الأمر تجاوزا من باسيل لعون، عندها يصح كلام الرئيس نبيه بري عندما سئل لماذا لا تريد إنتخاب ميشال عون، أجاب: لأنني لا أريد أن أنتخب رئيسين، في إشارة الى جبران باسيل.
يبدو واضحا أن رئيس الجمهورية بات خارج عملية التأليف، وأن الأمر بات في عهدة جبران باسيل الذي يريد أن يصفي حسابات سياسية مع الحريري وتأكيد مقولته السابقة عند إنهيار التسوية بأن “عودة الحريري ستكون صعبة للغاية”، في وقت يتمسك فيه الحريري بحكومة الاختصاصيين وبعدم حصول أي طرف على الثلث المعطل، وهو بشكل أو بآخر يتشفى بعون وباسيل باحتفاظه بورقة التكليف، وإبقاء العهد القوي من دون حكومة لتحميله المزيد من الفشل.
أمام هذا الواقع، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن تأليف الحكومة قد يتأثر بالتطورات الأقليمية والدولية، لكن حقيقة العرقلة تتمثل بصراع الحريري ـ باسيل وبمن سيكسر الآخر، في وقت ينكسر فيه اللبنانيون ماليا وإقتصاديا وإجتماعيا وصحيا وإنسانيا، ولا حياة لمن تنادي.