الحريري في بعبدا اليوم… خرق للجمود الحكومي ولا بوادر ولادة حكومية

22 ديسمبر 2020
الحريري في بعبدا اليوم… خرق للجمود الحكومي ولا بوادر ولادة حكومية

تتجه الأنظار عصر اليوم إلى قصر بعبدا لرصد مفاعيل اللقاء المتجدد بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وانعكاساته شكلاً ومضموناً على مصير التشكيلة الوزارية المرتقبة. هذا اللقاء يكتسب أهمية كونه سيكون الأول بين عون والحريري مذ قدم الثاني تشكيلته الحكومية الى الأول في آخر زيارة للحريري لبعبدا في التاسع من كانون الأول الحالي، ورد عليه رئيس الجمهورية بطرح جاهز مسبقا، الامر الذي ترجم اشتباكا سياسيا حادا بينهما تواصلت حلقاته وتداعياته حتى اليوم. ومن هذه المعطيات أيضا انه في ظل المواقف المتباعدة جدا بين الرئيسين تفجر قبل أيام على وقع التحرك البطريركي الاشتباك السياسي والإعلامي بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” في نقاط دستورية وسياسية كشفت تكرارا واكثر من أي وقت سابق، عمق تداخل الموقف بين رئيس الجمهورية والرجل القوي في دائرته رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بما يثير مجددا معادلة يستحيل تجاهلها في أي لقاء يعقد بين عون والحريري وهي الحضور الثالث لباسيل كشريك أساسي في الحل والتعقيد سواء بسواء. واذا كانت الأجواء التي تغلف اللقاء الثالث عشر بين عون والحريري اليوم في بعبدا لا تبعث موضوعيا على أي تفاؤل في امكان تبديل مواقف الفريقين من التشكيلة الحكومية في ظل التشكيلة التي وضعها الحريري ولا يزال متمسكا بها فيما يرفضها عون.

ضغوط الراعي أثمرت
وعليه، أعربت مصادر سياسية عن مخاوف جدية من عدم توصل اللقاء إلى نتائج عملية، في ضوء إصرار فريق عون – باسيل على فرض «إذعان» على الرئيس المكلف، بتشليحه حق إدارة الوزارة، التي يطمح إلى تأليفها من غير الحزبيين والاختصاصيين الحرفيين، الذين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، بذرائع الدستور والميثاقية والتوازن بين الكتل والأحزاب.

وتذهب مصادر قيادية في 8 آذار إلى اعتبار ان جوهر المشكلة، يتجاوز الحقائب وتوزيعها، وتوازناتها إلى الخلاف المستحكم حول “كيفية مقاربة دور الحكومة في المرحلة المقبلة”.

وقالت المصادر ان دخول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على الخط أتى بإيعاز دولي، وبتفاهم محلي، ومن هنا فهي مبادرة جدية وليست تقطيعاً للوقت، لكن عدم التقاطها باعتبارها فرصة، يجعل مسألة التأليف، لا تحظى بالأولوية، وتعيد خلط الأوراق، بحيث لا تأتي حكومة الا على قياس التفاهمات المرتقبة بعد تسلم جو بايدن صلاحياته كرئيس للولايات المتحدة في 20 ك2 المقبل، بين واشنطن وطهران، ما خص الملفات العالقة في الشرق الأوسط..

وحسب المصادر فإن الراعي استبق هذه التطورات لئلا يفقد المسيحيون دورهم المستقبلي، إذا لم يتمكن الرئيس القوي وفريقه من الحفاظ أو التأسيس للحفاظ على دور متوازن للمسيحيين في إدارة البلد..

الحريري منفتح
وإذ تؤكد أوساط مواكبة للملف الحكومي لـ”نداء الوطن”  أنّ الرئيس المكلف يذهب إلى اللقاء “بذهنية الانفتاح على سماع ملاحظات رئيس الجمهورية واستفساراته حيال مسودة التشكيلة التي قدمها إليه، بوصفه شريكاً دستورياً في التوقيع على مراسيم التأليف”، رشحت في المقابل من أجواء دوائر الرئاسة الأولى معطيات “لا تبشّر بالخير” وتوحي بأنّ لقاء عون بالحريري يأتي في إطار “محاكاة التجاوب شكلاً مع وساطة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، بينما في الجوهر لا يبدو أن شيئاً تغيّر في الموقف العوني”، وفق ما تنقل أوساط مطلعة على كواليس المقربين من قصر بعبدا، معتبرةً أنّ “الأجواء التي تم تناقلها خلال الساعات الأخيرة تشي بأنّ طيف جبران باسيل لا يزال يحوم في أرجاء القصر متربصاً بأي صيغة حل حكومي لا تستجيب لشروطه الحكومية”.

وتحدثت المعلومات المتوافرة في هذا السياق، أنّ توجهات باسيل عشية اجتماع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ستفضي إلى مغادرة مربع “المعايير” الذي أطاح به البطريرك الماروني صراحةً باعتباره يخرج عن منطوق الدستور، ومحاولة الالتفاف عليه بصيغة جديدة تقوم على إثارة إشكالية “عدالة توزيع الحقائب بين الطوائف والمذاهب”، ليستأنف بالتالي عون محادثاته مع الحريري اليوم انطلاقاً من “هذه الإشكالية” للدفع باتجاه إعادة رسم معالم الخريطة الوزارية من زاوية التسميات والحقائب، باعتبار ذلك “شرطاً جوهرياً سيضعه عون لتأمين عدالة تمثيل المكون المسيحي في تشكيلة الحريري، بما يشمل منح رئيس الجمهورية حق تسمية وزراء اختصاصيين لشغل حقائب أساسية كالعدل والداخلية وعدم حصر هذا الحق بحقيبة الدفاع فقط”.

ومن المنطلق نفسه، تردد أنّ عون سيثير أيضاً مسألة إسناد حقيبة الخارجية لوزير درزي باعتبار أنّ ذلك أحدث أزمة لدى المكوّن الكاثوليكي، لكون الدروز والكاثوليك يتساويان في عدد النواب والتمثيل الوزاري، الأمر الذي أدى إلى مطالبات كاثوليكية بحقيبة توازي الحقيبة الدرزية، مع التشديد على أنه من الأفضل “إبقاء توزيع الحقائب السيادية على الطوائف الأربع كما درج العرف”.
فبعد المعلومات عن نجاح البطريرك الماروني في إقناع الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في التنازل عن الثلث المعطل، ذكرت مصادرمعارضة للعهد ان الفريق الرئاسي تمسك بحقائب الامن (الدفاع والداخلية والعدل)، وهذا ما يرفضه الحريري وعدد من القوى الاخرى المعارضة، بعد اتهامها للعهد بفتح ملفات الفساد إستنسابياً وبما يطال فقط اشخاصاً مقرّبين من نهج الحريري وفريقه وحلفائه.

لكن مصادر القصر الجمهوري اوضحت لـ«اللواء» ان الرئيس عون لم يطرح ولا مرة الحصول على الثلث الضامن بل طرح وحدة المعايير والعدالة في التوزيع، بعدما قدم له الحريري الصيغة النهائية للتشكيلة وفيها اربعة وزراء مسيحيين فقط للرئيس عون، وواحد للحزب القومي وواحد لتيار المردة وآخر ارمني، واحتفظ لنفسه بوزير مسيحي. وهنا طالبه عون بوحدة المعايير لأن التوازن مفقود وتوزيع الحقائب غير عادل، حيث تضمنت حصة الرئيس حقائب الدفاع والتربية والثقافة والشباب والرياضة من دون اي حقيبة خدماتية او اساسية، واحتفظ الحريري لنفسه ولحلفائه بالحقائب الاساسية والخدماتية. عدا عن ان الحريري اخذ وزيراً مسيحيا من دون ان يعطي عون مقابله وزيراً مسلماً.وهناك وزيرمسيحي بمثابة «الوزير الملك» هو جو صدّي لحقيبة الطاقة وهو من اقتراح طاقم الرئيس الفرنسي ماكرون. 

اضافت المصادر: من هنا رفض عون هذه التركيبة وطلب من الحريري إعادة النظر بها لتحقيق التوازن والعدالة وفقا للدستور. خاصة ان رئيس الجمهورية هو من يمثل المسيحيين في الحكومة الآن ومن حقه تسمية الوزراء المسيحيين اسوة بالحريري الذي سمى الوزراء السنّة، بعد استبعاد اي حصة للتيار الوطني الحر بحجة انه لم يُسمِ الحريري لرئاسة الحكومة، ومقاطعة القوى المسيحية الاخرى للحكومة (قوات وكتائب).

ولكن المصادراوضحت ان لقاء اليوم يُفترض ان يجد حلاً لهذه المسألة خاصة ان الرئيس عون منفتح تماماً ومستعد لمناقشة الحريري في اي اقتراح آخر يقدمه، ولتسهيل وتسريع تشكيل الحكومة لانه هوايضاً متعجل على تشكيلها لكن وفق معايير موحدة، بما يُرضي كل الاطراف لتحصين الحكومة وتفادي اي مشكلات مستقبلية، خاصة لجهة منحها الثقة النيابية.

وفي السياق، افادت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أن لقاء الرئيسين سيركز على تفعيل النقاش في الملف الحكومي بعدما ساد جو يفيد أنه جمد مشيرة إلى أنه سيصار إلى تقييم المرحلة والصيغة الحكومية السابقة واعادة نظر لتوزيع الحقائب على الطوائف بهدف تأمين معايير واحدة وتوازن لأن الصيغة السابقة شابتها عثرات.وعلم أنه سيحصل تشاور بين عون والحريري في هذا الموضوع وهناك تصميم على استمرار النقاش للوصول إلى نتيجة عملية لأن هناك إرادة منهما لتشكيل الحكومة سريعا.

وتوقعت مصادر قريبة من بعبدا أن يسفر لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم في بعبدا عن كسر الجليد في العلاقة التي سادت بين الرئيسين مؤخرا، وذلك نتيجة الدور الذي لعبه البطريرك الراعي، والجهود التي يبذلها لاحداث خرق بملف تشكيل الحكومة الجديدة بعد تفاعل الخلافات حول عملية التشكيل مؤخرا.واستبعدت المصادر ان يؤدي اللقاء الى خرق اساسي في عملية التشكيل لاستمرار الخلافات القائمة لتسمية الوزراء المسيحيين والإصرار ان يتولى عون التسمية اسوة بباقي الاطراف، كررت ان التيار العوني لا يزال متمسكا بالحصول على حقائب الطاقة والعدلية والداخلية في التشكيلة الوزارية فيما يرفض الرئيس المكلف هذا المطلب رفضا قاطعا، ما يبقي عملية تشكيل الحكومة الجديدة تدور حول نفسها دون اي تقدم الى الامام.
ومن هنا، ثمة اوساطا معنية بالمشاورات والأجواء التي سادت في الأيام الأخيرة لا تقطع نهائيا مع احتمالات تلمس ملامح مرونة او إيجابيات معينة قد تطلع اليوم من مدخنة بعبدا ولو ان امال هذه الأوساط لا تبعد عن اطار توقع بدء مسار جديد من النقاش بين الرئيسين يعيد الحرارة الى مسار التأليف قبيل عيدي الميلاد ورأس السنة بما يخفف الأجواء الملبدة التي تهيمن على البلاد. ولذا تصف هذه الأوساط عبر “النهار” لقاء اليوم بانه سيكون مفصليا، فاذا تحققت خلاله بدايات حلحلة، ولو نسبية، في مسار المشاورات المتجددة بين الرئيسين عون والحريري، فان ذلك سيؤدي بطبيعة الحال الى تحريك الجمود ولو على خلفية البحث عن مخارج للمواقف المتباعدة من التشكيلة الحكومية والخلاف حول المعايير وتوزيع الحقائب وصولا الى الأسماء. اما في حال الاصطدام مجددا بلقاء جاف يعقد لمجرد توزيع الصورة الشكلية، كما تقول هذه الأوساط، فان ذلك سيعمم أسوأ الانطباعات عن انسداد المسار الحكومي عشية نهاية السنة، وربما سيؤدي ذلك الى نوع مختلف وخطير من التداعيات الخارجية على البلاد من جهة الدول المانحة للبنان. وسيكون مهما للغاية رصد ردود الفعل الفرنسية تحديدا حيال النتائج نظرا الى معطيات تتحدث عن عدم انقطاع الاتصالات الفرنسية بالمسؤولين واللاعبين الأساسيين في لبنان رغم إصابة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بفيروس كورونا. وتشير هذه المعطيات الى ان باريس نظرت بارتياح الى تحرك البطريرك الماروني وأفادت منه بتزخيم اتصالاتها لأحداث خرق في المشاورات بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري.