خيرالله في رسالة الميلاد: مزود ميلاد 2020 هو كل بيت من بيوتنا يولد فيه يسوع في الحزن والفقر والفرح والرجاء

23 ديسمبر 2020

وجه راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خير الله رسالة الميلاد 2020 بعنوان “ولد لكم اليوم مخلص”، قال فيها: “كان شعب الله ينتظر مجيء المخلص الموعود ملكا يحرره من ظلم الاحتلال ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر، ولن يكون لملكه نهاية” (لوقا 1/33). واختار يسوع ابن الله أن يتبنى البشرية ويولد إنسانا في سلالة داود الملك ويدخل في التاريخ والجغرافيا على أرضنا. وولد بالفعل إنسانا ملكا في “مدينة داود التي يقال لها بيت لحم” (لوقا 2/7) فقيرا منبوذا، لم يحتفل بمولده أحد، ولم يعترف به شعبه ملكا ومخلصا، لكن الله أرسل ملاكه إلى الرعاة، المنبوذين من إسرائيل لأنهم كانوا يعيشون على هامش جماعة العاملين بأحكام الشريعة وكانوا من الوضعاء والفقراء “يبيتون في البرية ويتناوبون السهر في الليل على رعيتهم”، ليبشرهم قائلا: “لا تخافوا! ها إني أبشركم بفرح عظيم: ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب”. (لوقا 2/8-11). آمن الرعاة وراحوا “يسبحون الله مع الملائكة قائلين: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر… وجاءوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المزود، وراحوا يخبرون بما قيل لهم في ذلك الطفل “. (لوقا 2/4-17). أمام هذا المشهد يتبادر إلى ذهننا السؤال: هل المخلص الذي كان ينتظره شعب إسرائيل هو نفسه المخلص المسيح الرب الذي بشر به الملاك؟ وجوابنا هو نعم، إنه هو نفسه يسوع ابن داود الملك، لكن مملكته ليست من هذا العالم ومنطقه ليس منطق هذا العالم. لذا، اختار أن يقلب مقاييس البشر ويولد في أفقر حالة بشرية: لا بيت له ولا ممتلكات ولا حاشية. فكان له أن نبذ من شعبه، واضطر للهرب إلى مصر من ظلم واضطهاد هيرودس الحاكم الروماني، ثم للعودة إلى الجليل واليهودية والسامرة ونواحي صور وصيدا للقيام برسالته الخلاصية بالقرب من الخطأة والعشارين والمرضى والمنبوذين والمهمشين والمظلومين ولدعوة الفريسيين والكتبة والحكام إلى التوبة. وارتضى أن يحملهم جميعهم في إنسانيته ويموت عنهم على الصليب لكي يمنحهم الخلاص ويعطيهم السلام ويحجز لهم مكانا في ملكوت الآب السماوي. هكذا كان ميلاد يسوع ابن الله في السنة الأولى من تمام الأزمنة وانطلاق العهد الجديد”.

وسأل: “فكيف يكون مولده في سنة 2020 الكارثية؟”، وقال: “العالم اليوم ينتظر مخلصا، ونحن في لبنان ننتظره كذلك. فمن هو هذا المخلص؟ وكيف نستقبله؟ يعيش العالم اليوم في مجتمع متدهور اقتصاديا وسياسيا وإنسانيا وأخلاقيا وصحيا تحكمه ثقافة العولمة المتسارعة والاستهلاك المادي، والتجارة والربح السريع، والأنانية والصراع على السلطة والمصالح الخاصة، كما يسميها قداسة البابا فرنسيس، ويرزح تحت عبء جائحة كورونا. إنه عالم نسجل فيه القفزات التاريخية الكبرى والمحمودة، ولكن أيضا تراجع الأخلاق الضابطة للتصرفات الدولية والقيم الروحية والشعور بالمسؤولية، ويواجه “الأزمات السياسية الطاحنة والظلم وافتقاد عدالة التوزيع للثروات الطبيعية” (البابا فرنسيس، كلنا أخوة، عدد 29).

أضاف: “بدورنا، نحن في لبنان نعيش في دولة منهارة تحكمها طبقة سياسية فاسدة ويعاني شعبها من الفقر والضيق والعوز والهجرة نتيجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية المتراكمة، إضافة إلى وباء كورونا ونكبة انفجار مرفأ بيروت. ورغم كل ذلك، ننتظر المخلص برجاء كبير. يبشرنا الملاك في ليلة ميلاد 2020، قائلا: ولد لكم اليوم مخلص، ويدعونا، كما دعا الرعاة، للذهاب مسرعين إلى حيث يوجد الطفل المضجع في المزود. ويقودنا نجم الرب الطالع من المشرق، كما قاد المجوس، للذهاب إلى حيث يولد ملك الكون وللسجود له. إنها دعوة لنا كي نذهب مسرعين إلى المزود لنلتقي “مريم ويوسف والطفل مضجعا في مزود” (لوقا 2/16). لكننا نتساءل: أين هو المزود؟ مزود ميلاد 2020، الذي نلتقي فيه العائلة المقدسة، هو كل بيت من بيوتنا يولد فيه يسوع في الفقر والجوع والبؤس والحزن والألم، ولكن أيضا في الفرح والرجاء. ولقاؤنا بمريم ويوسف ويسوع هو بمثابة لقاء كل عائلة من عائلاتنا ليعيد إليها الفرح والوحدة والتضامن والأمل بغد أفضل”.

وتابع: “في ميلاد 2020، يحملنا يسوع إلى الاقتناع بأن حضارة العالم الذي نعيش فيه اليوم هي إلى زوال وبأن حضارة جديدة تولد، هي حضارة المحبة والعدالة والسلام، لتسهم في بناء عالم أكثر أخوة وتعاضدا. إخوتي وأخواتي أبناء وبنات الأبرشية، وبخاصة الشبيبة منكم، في ميلاد 2020 أدعوكم إلى أن نقدر نعمة ميلاد يسوع ابن الله المخلص بيننا وفي بيوتنا وعائلاتنا وفي شوارع عاصمتنا بيروت الجريحة، وأن نشهد بفرح للرجاء الساكن فينا. وبدلا من أن نتذمر ونشكو من ظلمة الليل، تعالوا نستقبل معا يسوع عمانوئيل إلهنا معنا ونضيء شمعة في بيت كل فقير منا، وجائع، ومريض، ومظلوم، ومهجر، وحزين، ونطلب شفاعة مريم ويوسف الذي أعلن قداسة البابا فرنسيس في الكنيسة الجامعة سنة مخصصة له (من 8 كانون الأول 2020 إلى 8 كانون الأول 2021)”.

وختم: “بفضل شبيبتنا وشعبنا الذين عبروا ويعبرون عن تضامن كبير، نحن كلنا رجاء أننا سنعيد بناء وطننا لبنان الوطن الرسالة، ودولتنا بمؤسساتها الحديثة وقياداتها المسؤولة والنزيهة، دولة قانون لمواطن كريم، في ضوء حضارة المحبة المتجددة كل عام بولادة المسيح. ولد المسيح، هللويا”.