وعلى قاعدة “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”، صار اللعب السياسي على المكشوف من دون الأخذ بعين الاعتبار مآسي وأزمات المواطنين الذين فقدوا فرحة العيد، إما لحزن على ضحايا إنفجار بيروت، وإما لهجرة أبناء فقدوا الأمل بوطنهم، وإما لفقر إستوطن منازل بفعل إقتصاد يلفط أنفاسه الأخيرة وبطالة وغلاء وجنون دولار، فيما المعنيون منشغلون بمعايير من وزن حقائب وتسميات وثلث معطل، كان من المفترض أن تسقط جميعها أمام المخاطر التي تتهدد لبنان وشعبه.
كل العالم أبدى خشيته على لبنان من هول الانهيار ومن الكوارث التي قد تنتج عنه.
الرئيس الفرنسي حضر مرتين بعد إنفجار 4 آب ورفع الصوت توبيخا، وترغيبا وترهيبا، وكاد أن يعيد الكرّة مرة ثالثة لولا فيروس كورونا الذي حماه وأنقذه من فيروسات السياسية اللبنانية.
بابا الفاتيكان رفع الصلاة على نية لبنان، فألهم البطريرك الماروني بشارة الراعي القيام بمبادرة لم تصمد سوى أيام قليلة حيث أسقطها التكاذب والنكث بالوعود والمعايير المستحدثة، والنكايات السياسية وإبتداع الشروط والشروط المضادة، ما دفع الراعي الى تجميد المبادرة بانتظار تهيئة الظروف المناسبة لاستئنافها.
الاتحاد الأوروبي هاله إنعدام المسؤولية الوطنية لدى المسؤولين اللبنانيين، ومسؤولون أوروبيون لم يوفروا المعنيين بتشكيل الحكومة من أقسى العبارات، فيما دول أخرى بدأت تخاطب وتتعامل مع المجتمع المدني اللبناني، لعدم ثقتها بالسلطة السياسية، ورغم كل ذلك لا حياة لمن تنادي على طريق تشكيل الحكومة.
يمكن القول، إن تشكيل الحكومة لم يعد رمانة، بل هو عبارة عن قلوب مليانه، فالرئيس ميشال عون ما يزال رافضا لفكرة أن يكون سعد الحريري رئيسا لحكومة نهاية العهد، وقد عبر عن ذلك علنا في المؤتمر الصحافي الذي شكل سابقة عشية الاستشارات حيث دعا النواب الى حسن الاختيار، والرئيس الحريري يمارس كل أنواع النكايات السياسية مع باسيل ويحاول إستضعافه وتهميشه بعد العقوبات الأميركية عليه، وباسيل تحركه شهوة السلطة، فتدفعه الى المطالبة بالثلث المعطل ومن ضمنه الحقائب الأمنية ليضع يده على الحكومة والأمن والعدل معا، بما يجعل رقبة رئيس الحكومة تحت سيفه، وتحريك الملفات القضائية تحت إمرته، وبالتالي يكون أكثر قوة لتحقيق طموحاته الرئاسية.
الحريري يتهيب الموقف ويتمسك بحكومة الاختصاصيين وبصيغة (6+6+6) ويقبض على ورقة التكليف ويتمسك بلاءاته لا إعتذار ولا تنازل ولا حكومة سياسية، والرئيس عون يرى “ضوء الجمهورية” من خلال تحقيق “مصلحة” باسيل الذي بات يتحكم بعملية التأليف من ألفها الى يائها، ويضرب كل طرح أو مبادرة أو فكرة أو صيغة لا تصب في تنفيذ مطالبه في الحصول على الثلث المعطل، خوفا من أن يصبح الحريري الحاكم بأمره في حال حصول فراغ رئاسي.
كل الجهود الحكومية تجمدت مع إنهيار مبادرة البطريرك الراعي الذي يتجه نحو خلاف عميق مع رئيس الجمهورية الذي لم يحضر قداس الميلاد أمس، وهذا يعني أن الحكومة رُحّلت الى العام الجديد وما بين طرح مبادرات جديدة أو إستئناف المبادرة الفرنسية والقيام بمشاورات حولها وعقد اللقاءات لأجلها، يكون قد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من التطورات الأميركية التي يبدو أنها لا تبشر بالخير.