أطلقت جامعة القديس يوسف والجمعية اللبنانية لحقوق ومصالح المكلفين، حملة وطنية تحمل اسم “ضد الفساد”، وهي تجمع بين المجتمع المدني اللبناني والقطاع الخاص والأفراد الذين يشغلون مناصب عامة لمكافحة الفساد وضمان الشفافية والوصول إلى المعلومات.
ويتمثل الهدف النهائي لهذه الجهود المشتركة في خلق حركة مناهضة للفساد وظروف سوق عادلة ومتساوية لجميع الجهات الفاعلة والقضاء على إغراءات الفساد للجميع.
وتركز الحملة على مشاركة الشباب كعامل رئيسي في التغيير. وقد تم تدريب طلاب من جامعة القديس يوسف بشكل مكثف لقيادة أنشطة الحملة. وسيتم الاعتماد عليهم لتوقيع إعلان مكافحة الفساد الذي وضعه خبراء والمتاح على www.dodelfasad.com، كما سيزورون العديد من الشخصيات والمنظمات العامة لإقناعهم بالتوقيع على الإعلان.
وفي حديث مع صحيفة “الانباء”، قال البروفيسور باسكال مونان، مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف، أنّ المرصد تابع لجامعة القديس يوسف في بيروت، وأنشئ بدعم من رئيس الجامعة الأب البروفيسور سليم دكاش في 2015، بهدف تعزيز مفاهيم الخدمة العامة في القطاع العام وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد القائمة على المواطنة والديموقراطية في دولة القانون والشفافية والوصول الى المعلومات والجودة والمنافسة والعدالة ومكافحة الفساد وتعزيز المواطنة. وهو يعمل منذ انشائه انطلاقا من الأطر الأكاديمية التي توفرها الجامعة، والتي ساهمت من خلال تقاليدها في تطوير قيم لبنان والتي تستمر في كونها مكانا للحوار الفكري والسياسي للشبيبة والمنفتح على كل فئات المجتمع.
وأطلق في تشرين الثاني 2020 منتدى الحكم الرشيد ليكون منصة لترسيخ وتعزيز هذه المبادئ من خلال تنظيم ندوات حوارية مفتوحة مع المعنيين والاختصاصيين ووضع استراتيجيات وخطط بأيدي اصحاب القرار والاهتمام. وتم في هذ السياق تنظيم ندوتين حتى الآن الأولى بعنوان “قانون الشراء العام وسيلة للحكم الرشيد؟” والثانية: “التدقيقي الجنائي نحو دولة الشفافية والمحاسبة؟”. كما استحدثنا جائزة ميشال اده لأفضل اطروحة دكتوراه عن القطاع العام والسياسات العامة في لبنان وحول الحوكمة العامة. وهي تهدف إلى تشجيع الطلاب على التحول إلى موضوع الحوكمة العامة في أطروحات الدكتوراه الخاصة بهم.
ورداً على سؤال عن الهدف من الحملة ضدّ الفساد، قال مونان: “هو فعل مواطني يضع كل انسان امام مسؤولياته في التصدي للفساد. الفساد أصبح متفشيا وراسخا الى درجة ان كل انسان صار مدعوا الى التعبير بعمل مباشر عن تصديه ورفضه لما يجري. بات الفساد يشكل مرضا لبنانيا مزمنا تفشى في مختلف القطاعات وتسبب بخسائر وأضرار عديدة. وعلى مر العقود طرحت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الاستقلال ضرورة مكافحة الفساد. انما الحقيقة الموجعة ان الفساد مازال قائما، والفاسدون يسرحون ويمرحون. وفي السنوات الثلاثين الماضية يمكن القول بأن الفساد تحول الى نهج وممارسة منتشرة. ولم يكن غريبا ان نصل الى ما وصلنا اليه”.
وأضاف: “الحملة ليست مناسبة لجمع التواقيع وعرضها اعلاميا هو التزام من كل لبناني بأنه لن يبقى متفرجا على ما يجري وسينتقل الى الفعل. ومشاركة الشباب الكثيفة بهذا النشاط مشجعة، ويمكن البناء عليها حتى نقول لمن هم في السلطة ان الفساد يجب ان يتوقف، وهو لا يتوقف الا بسياسات واضحة شفافة رافضة لممارسات الفساد، مع اشخاص اكفاء ونزيهين. الحملة تتضمن العديد من المبادرات: مؤتمرات في الجامعات والمدارس وجولات تعريفية في الإدارات العامة وتنظيم زيارات بهدف توعية الطلاب وأيضا حملة إعلامية واعلانية بدأت اولا بإطلاق المشروع الرائد وهو الإعلان المواطني لمكافحة الفساد. وتجدر الإشارة هنا الى الشراكة الناجحة لهذه الحملة الوطنية في مكافحة الفساد والسعي لإنهائه بين مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد التابع لجامعة القديس يوسف والجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين من جهة وExpertise France والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى”.
وفي ما خص العريضة، فقد أشار مونان إلى أنها “ستكون بتصرف الناس حتى يشاركوا ويلتزموا، وحجم التجاوب كان كبيرا جدا يعكس عطشا عند اللبنانيين لدولة عادلة لا فساد فيها. الشعب رافض لهذا الواقع الأليم. وهو عالم كيف منعت الدولة من الوجود، وكيف تم تعطيل القوانين متى وجدت وكيف انتشر الفساد على كل المستويات، حتى انه صار الحديث عن ثقافة الفساد ووجد من يغطي الفساد في بعض الأحيان”.
وتابع: “في السنوات الثلاثين الماضية يمكن القول بأن الفساد تحول الى ممارسة واسعة ومنتشرة. ولم يكن غريبا ان نصل الى ما وصلنا اليه. وكانت النتيجة ان ثارت الناس على الواقع السائد، في السابع عشر من اكتوبر 2019 ودلت بالإصبع على الفاسدين، مطالبة بالمحاسبة.
ربما يئس بعض الناس كما يئس الرئيس فؤاد شهاب من الواقع اللبناني، عندما قال انه قام بكل ما يستطيع لإقامة الدولة، لكنه لم ينجح في إقامة وطن. اما نحن مع الناس ومع الطلاب، فنقول كما يذكرنا دائما رئيس الجامعة الأب سليم دكاش، لن نيأس وسنواصل السعي والعمل من اجل خلاص لبنان من امراضه، وعلى رأسها الفساد. لانه “كلنا… يعني كلنا: ضد الفساد…وعلنا” (وهو شعار الحملة)”.
وقال مونان: “اتفقنا جميعا على أن الفساد يقوض الديموقراطية ويلحق ضررا بالتنمية الاجتماعية، ويعوق التنمية الاقتصادية، ويقلل من إنتاجية الأعمال، ويهدد شرعية الحكومة، ويقلل من ثقة الناس فيها. لا مجال لقيام دولة قادرة تتحمل مسؤولياتها البديهية بوجود الفساد. صار الكيان يواجه خطرا وجوديا نتيجة ما تسبب به الفساد من انهيار اقتصادي وهدر للمال العام. الكل يريد محاربة الفساد، لكن قلة تحاربه فعلا. يحتاج الخروج من الفساد اولا الى امرين. الناس لاسيما الشباب والطلاب منهم. والعمل الذي نقوم به في الحملة الوطنية لمكافحة الفساد يندرج في هذا الإطار. على الناس ان ترفض الفساد وتكافحه، وعليها ان تعبر عن ذلك بعمل مباشر مثل عدم اللجوء الى الرشوة والواسطة والالتفاف على القوانين، والتوقيع على الاعلان المواطني لمكافحة الفساد، كفعل التزام شخصي.
والأمر الثاني تغييري ايضا من خلال الانتخابات النيابية لانتخاب ممثلين عن الرأي العام يعملون لمكافحة الفساد، وقيام دولة القانون. وهنا يعول على دور الشباب في احداث التغيير المنتظر.
والسبيل ايضا لمحاربة الفساد هو بالتعويل على القضاة الأحرار لتحكيم ضميرهم وتطبيق قانون الاثراء غير المشروع. استقلالية السلطة القضائية مطلوبة، ودعم الناس لعمل القضاء اساسي لتحقيق التغيير. لا ينبغي ان تمر عمليات النهب التي حصلت دون حساب، والقضاء وحده هو الحل”.