كتب منير الربيع في “المدن”: دخل لبنان في العطلة القسرية. الاستحقاقات مؤجلة إلى ما بعد رأس السنة. الأزمة الحكومية سيتأخر حلّها. والبحث بملف الدعم، استمراره أو “ترشيده” أو رفعه، سيكون هو الداهم مطلع السنة الجديدة.
الاستعصاء
الجمود السياسي بمسار تشكيل الحكومة، يعود إلى الاستعصاء، مع رفض أي طرف في الداخل تقديم تنازلات. الجميع ينتظر الخارج. ورئيس الحكومة المكلف غادر إلى إجازته، للقاء عائلته. كل سنة بهذا التوقيت كان يغادر إلى باريس لقضاء العيد مع عائلته.
في الأيام الماضية كانت المعلومات تتحدث عن أنه سيتوجه أيضاً إلى باريس، لكن الإقفال بسبب كورونا قد يحول دون ذلك. صباح الأحد غادر الحريري لبنان. وبعض المعلومات تحدثت عن توجهه إلى الإمارات وبعدها إلى السعودية. لكن مكتبه الإعلامي أعلن أن الزيارة عائلية.
الدوامة المالية
في خضم الجمود الحكومي، كل التركيز يتجه نحو مصير الوضع المالي والاقتصادي. لبنان أمام خيارين، إما وقف الدعم، أو استمراره والمسّ بالاحتياطي الإلزامي. عطلة الأعياد ومجيء المغتربين من الخارج ضخ كميات من الدولار في الأسواق، ستستنفذ خلال فترة قصيرة، بعدها سيكون سعر الدولار مرشحاً للارتفاع. وبحال تم رفع الدعم سيزيد الطلب على الدولار، وبالتالي سيرتفع أكثر. كذلك، بحال الاستمرار بالدعم والمسّ بالاحتياطي الإلزامي، سيتناقص الدولار المتبقي لدى المصرف المركزي، ما سينعكس أيضاً بشكل سلبي على الليرة اللبنانية.
يشكل ملف رفع الدعم انقساماً جديداً بين القوى السياسية. البعض يؤيده، والبعض الآخر يعارض. فيما الحكومة تحاول تأجيل انفجار هذا اللغم، وتلجأ إلى استخدام توليفات لن تكون ناجعة أو مجدية على المدى البعيد، من قبيل ترشيد الدعم ورفعه عن بعض السلع مقابل تركه على أخرى أو رفعه نسبياً. هذا سيؤدي إلى إنتاج سوق سوداء ثالثة ما بين السلع المدعومة وغير المدعومة، وبالتالي سيرتفع منسوب الفوضى.
لغز الاحتياطي المالي
تتدخل بعض القوى السياسية بقوة في سبيل استمرار توفير الدعم للسلع الأساسية. وهناك سؤال لغز لا بد من طرحه. فقبل فترة أعلن حاكم مصرف لبنان أن ما تبقى لدى المصرف المركزي حوالى 800 مليون دولار للاستمرار بالدعم قبل المس بالاحتياطي الإلزامي. لكنه قبل أيام عاد وأعلن أن لدى البنك المركزي حوالى ملياري دولار، فما هي حقيقة الأرقام؟ لا أحد يمتلك الجواب. هناك تخوف حقيقي من أن يتم تأجيل رفع الدعم من خلال اللجوء إلى صرف مبلغ معين من الاحتياطي الإلزامي، والذي ستكون له تداعيات كارثية على الوضع العام في البلد. فيما هناك من يجيب بأن هذا المبلغ نجح المصرف المركزي بتوفيره، من خلال الاستحصال على هذه الدولارات من الأسواق، بسبب السياسة التي اتبعها مؤخراً. لكن، هذا المبلغ لن يكفي لأكثر من ثلاثة أشهر، وبعدها سيعود لبنان إلى الدوامة ذاتها.
وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن المس بالاحتياطي الإلزامي يتناقض بشكل كامل مع فكرة الإصلاح الإقتصادي، الذي يوجب الحفاظ على الأموال بالعملة الصعبة، بدلاً من تبديدها، حتى وإن كان ذلك التبديد في سبيل دعم المواطنين. غياب الرؤية الواضحة، والقرارات الجريئة ستؤدي إلى قرارات ارتجالية، نتائجها ستكون كارثية على المدى البعيد.